الرأي

أين المنامة.. وكيف أهلها؟!

أين المنامة.. وكيف أهلها؟!




لأول مرة نسمع أن عاصمة دولة تتحول أحياؤها إلى مدن وقرى وتختفي وتتلاشى عاصمتها، عاصمة تحولت أحياؤها إلى مناطق، كما تحولت بعض أراضيها غير المأهولة شيئاً فشيئاً إلى قرى ومدن، إنها عاصمة مملكة البحرين، المنامة، والتي لا نعرف بالضبط أين تقع بين هذا العدد غير المعقول من تسميات على مساحات متداخلة لا تفصلها حدود ولا جسور.
وها هي اليوم المحاولات من بعض من يطلقون على أنفسهم المدونين يعبثون بتاريخ المنامة لمحو هويتها، وذلك حين نلاحظ في بعض المدونات أو الموسوعات أو ما تنشره بعض الصحف، مع حذرهم التام لعدم ذكر أي أثر له علاقة بالتاريخ الخليفي والعوائل التي أسست هذه المدينة، حيث جعلتها حصراً على تاريخ طائفي واحد، فيه ضاعت معالم وتاريخ المنامة عندما تفتت، وكل قسم منها يتم تأليف رواية وحكاية له وربطه بأسماء أشخاص لتأكيد بأنهم أصل المنامة، وأنهم كبار تجارها وأعيانها، وهم في الحقيقة ليسوا أكثر من وافدين جاؤوا ليمارسوا حرفة الزراعة.
تاريخ المنامة الذي تم استبداله حين سعى مدونون -ومنهم مدون "سنوات الجريش"- العبث بتاريخ البحرين، ومن هذا العبث ما ذكر في هذه المدونة تحت عنوان "النعيم فريق أو قرية"، إذ قال: "أما نحن أهالي النعيم قد تربينا على فكرة أن النعيم في الأصل جزء من المنامة، كان حياً ثم أصبحت منطقة مستقلة، وقد عاش الآباء والأجداد على هذه الفكرة".
ثم تأتي الخلاصة بعد هذا العرض وبشهادة منهم وفيهم؛ فيختتم تاريخ هذا الحي بأنه قرية مستقلة، حيث يقول "وبهذه الشواهد نستنتج أن النعيم في الأصل كانت قرية مستقلة عن المنامة، وبعد أن كانت منطقة مستقلة اندمجت بالمنامة، ثم عادت الآن لتصبح منطقة مستقلة"، وكذلك بالنسبة لما تسمى منطقة جدحفص، والتي حسب المعلومات المنشورة التي تقول لقد تحولت جدحفص بفضل التوسع العمراني إلى مرتبة "مدينة"، وهي تبعد عن المنامة بنحو 3 كيلومترات؛ فأين بعدها تقع المنامة؟
نتابع الحديث عن تسميات وتقسيم المنامة، ومنها أيضاً ما تسمى سنابس، وحسب المعلومات المنشورة؛ فهي قرية ويقع امتدادها من الشرق بعد المنامة تحاذيها شرقاً قرية البرهامة وغرباً الديه وجنوباً جدحفص، وكذلك هي البرهامة قرية من القرى الصغيرة، تحدها من الغرب سنابس ومن الشرق النعيم، أما الديه تحدها جدحفص من الجنوب ومن الشرق سنابس، وتبعد عن المنامة 3 كيلومترات، فأين تقع بينهم المنامة؟
نعم؛ لم يبق من المنامة غير سوق المنامة، ولولا أنه سوق فكان قطعاً سيكون له اسم آخر، وذلك حين تجزأت المنامة، وأعطيت أسماء ليس لها علاقة بتاريخ البحرين ولا بأصل المنامة، المنامة ضاع موقعها واسمها بين أحياء وأجزاء وبين أوراق ومواقع، وها هو اليوم تاريخها يختطف وموقعها يتلاشى، واسمها صارت تحمله مواقع إلكترونية لا تخدم البحرين مثل "صوت المنامة"، وأوراق تقدمت بها الوفاق تطالب بها بالحكم سمتها باسم "وثيقة المنامة"، كما صارت عناوين حوار أطلقته الوفاق على منتدياتها ومؤتمراتها تحت اسم "حوار المنامة"، حتى صرنا لا ندري أين المنامة ومن هم في المنامة؟
وهنا الملامة ليست على من استغل غفلة المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، والتي كان يجب عليها أن تضع في حسابها بأن هذه التقسيمات التي صارت منها الأحياء مناطق، هي حرق تاريخ وضياع هوية، وأما إذا كان المسؤولون يكفيهم أن يحتفظوا بالاسم كعاصمة تزين فيه الإنجازات "المنامة عاصفة الثقافة"، وما شابه ذلك، فإنهم سوف يستيقظون بعد فوات الأوان حين لا يبقى من المنامة إلا ذكرى وذكريات في من بقي من أهلها الطيبين، حيث لم تحمل حتى شوارعها ولا أحياؤها أسماء لهم، المنامة التي غفل عن حفظ تاريخها بالواقع الملموس والشواهد الظاهرة، المنامة التي تتقلص يوماً بعد يوم مساحتها، في الوقت الذي تمتد فيه أحياء وصلت إلى قلب المنامة، ومثال على ذلك توبلي التي كانت مجرد حي من أحياء مدينة عيسى فإذا بها اليوم تصل إلى قلب العاصمة، ولا نستبعد في يوم من الأيام أن يسمى سوق المنامة سوق توبلي أو سوق جدحفص، وكل هذا دليل على غياب الاستراتيجية الوطنية من وزارة بلديات سابقاً، ومازالت حاضراً ولن يكون مستقبل لها أفضل، وجهاز عقاري لم يلق بالاً ولا يكلف نفسه بإعادة النظر، أو وزارة إسكان تقلص من مساحة المنامة وتوزعها على الأحياء حتى تمتد وتصبح مدناً، كما حصل لسنابس، التي توسعت جراء المشاريع الإسكانية، وها نحن نعرف اليوم مدينة حمد أين تقع، ومدينة زايد أين تقع، وكذلك الزلاق والرفاع ولكن لا نعرف أين تقع المنامة، ولا ندري كيف أهل المنامة؟!