الرأي

حك جلدك بظفرك

بنــــــــــادر




الله سبحانه وتعالى خلقك وحدك في بطن أمك، وأعطاك كل الإمكانيات الرائعة التي تجعلك قادراً على إنبات كل يوم في عمرك الممتد من ظلمة الرحم إلى ظلمة القبر بالأعمال الصالحة، الله أعطاك إمكانية الاختيار بين الصح والغلط، بين الحق والباطل، والتفريق ما بين حمرة الجلنار وجمرة اللهب.
من الرائع أن يكون أبناؤك يقفون معك في كل ما هو خير، ومن الأروع أن تجد الفزعة من أهلك إن احتجت إلى الفزعة، وأصدقاؤك تجدهم يدعمونك في أحلامك وطموحاتك، ولكن الواقع الذي لا بد أن تعتمد عليه؛ هو ذاتك. كل شيء يبدأ منك وينتهي بك، وحدك من يفكر، وحدك من يسير على قدميه، وحدك من يأكل، وحدك من يشرب، وحدك من يصوم، وحدك من يصلي، وحدك من يحلم، وحدك جئت إلى الدنيا، ووحدك تغادرها، وحدك من يبقى له الاسم الصالح بين الناس، وحدك من يحمل الاسم الطالح أيضاً.
تقول الأستاذة حياة أبو فاضل في دراسة لها تحت عنوان «الإنسان والكون من منظور علم الباطن»؛ الإنسان، إذاً، كون صغير، خلية من خلايا الكون الكبير بكل ما فيه، وهو يحيا مغامرة الحياة الرائعة بكل ما فيها من تنوع، إنه جزء من كل، تربط المحبة أجزاءه بعضها ببعض، مثلما تربطه بالوجود بأسره. لكن هذا الكون الصغير يتألم لأنه لا يدرك وحدته مع الوجود ولا يعي المعرفة الكامنة في داخله، ولأنه كون صغير فهو يتفاعل ويتأثر بالكون الكبير ويؤثر فيه؛ وبما أنه على سفر دائم داخل نظام كوني عادل لا يخطئ بتاتاً، فإنه إذا أثر في النظام سلباً وتسبب بخلل ناجم من فكر أو قول أو فعل، مهما كان بسيطاً، فعليه أن يدفع الثمن. أما إذا كان في تناغم مع النظام فإنه يتمتع بكل إيجابياته، لكن لم هذا السفر، ومن قرره، وما الغاية منه؟ هذا ما سوف نحاول تقديم إجابة مختصرة عليه، مستلهمين مصادر الحكمة الهندية التي تتكلم على الغاية من الوجود ومبدأ كارما karma؛ قانون الفعل ورد الفعل.
إن الإنسان -ذلك الكون الصغير المسافر ضمن الكون الكبير والذي يملك كل صفاته لأنه خلية منه- هذا الكون الصغير يتفاعل مع الكون الكبير ويؤثر فيه، فمن قرر هذا السفر؟ وما الغاية منه؟ وما هي شروطه؟
الإنسان كون صغير لأن أعضاء جسمه شبكة واحدة كثيرة الأجزاء، تمثل كل ما في الكون، ابتداء من المجرات، وانتهاء بحالة الوعي الكوني، الشامل، الذي «ينام» داخل كل منا إلى أن يستفيق.
على صعيد آخر؛ تخبرنا العلوم الباطنية أن الجهاز العصبي يمثل القوى الكهرومغناطيسية في الكون، فالقلب صورة مكثفة عن الشمس، مصدر الحياة وقلب الوجود النابض الذي يتوسط نظامنا الشمسي.
ولذلك لا تعتمد على أبنائك بقدر الاعتماد على نفسك، وعلى اختياراتك، وقبل كم يوم وصلتني قصة جميلة واقعية، أحببت أن أشارككم فيها، تقول الحكاية..
اشترى أحد التجار كيلوين من العنب وقال لخادمه احمله للبيت وأعطه لزوجتي وذهب هو لدكانه، وعند الظهيرة ذهب لبيته وطلب العنب ليأكله، فقالت له زوجته لقد أكلته أنا وأولادك، فقال لقد شريت كيلوين ولم تضعوا لي حتى حبة! فقام وخرج من البيت وزوجته تناديه وذهب لدلال العقار وقال له أريد أفضل قطعة أرض وشراها، وذهب إلى بناء البيوت وقال تعال معي وأراه الأرض وقال له أريد إن تبني لي مسجداً والآن تبدأ أمامي فاحضر العمال وقاموا ببداية البناء ورجع إلى بيته فقالت له زوجته أين كنت؟ فقال لها الآن أموت وأنا مرتاح البال، لأنكم لم تضعوا لي حبة عنب وأنا حي وموجود بينكم فكيف آمنكم على حلالي بعد موتي.
والآن عمر هذا المسجد، يقول مرسل القصة أو كاتبها، فيا أيها الإنسان قدم لنفسك قبل الموت، فلا تعتمد أخي المؤمن على أحد لفعل الخير نيابة عنك حتى أعز أولادك.
في كل الحالات لن تجد من يحك ظهرك سوى ظفرك.