الرأي

ما بعد قمة شرم الشيخ

نظــــــرات








بات واضحاً أن القمة العربية التي اختتمت أعمالها أمس قمة هامة باعتبارها تعكس مرحلة مختلفة من التحول، فالعرب قبل القمة ليسوا بمثل ما كانوا عليه بعدها.
كنا ننظر للجماعات السياسية المختلفة بأنها جماعات سياسية لها حق العمل والحراك السياسي، ولكننا سرعان ما اكتشفنا أنها ذات أجندات خاصة وعلاقات إقليمية مشبوهة، حاولنا الاحتواء وإصلاح الجماعات بفرصة تلو الأخرى دون جدوى إلى أن أدركنا أن العلاج هو القضاء على هذه الجماعات التي تقود اتجاهات التطرف والإرهاب في المنطقة.
في السابق اعتدنا على البيانات الصحافية المتكررة والتي لا تنتهي وتستخدم للاستهلاك الإعلامي دائماً، ولكن الاعتماد على هذا النهج في السياسة الخارجية مسلك فاشل في ظل تجاهل التحديات التي تتم على الأرض ميدانياً. لذلك حان وقت العمل بعد أن أهدر أمننا واستقرارنا، وبعد أن تضررت مصالح دولنا أيّما تضرر.
اعتدنا كعرب استشارة الحلفاء والأصدقاء والاستعانة بهم في الأزمات ولمواجهة التحديات، ولكننا اليوم بتنا نُخطر ولا نشاور بعد أن فقدنا الثقة فيمن قرر يوماً بيع الحلفاء، وتجاهل مصالحهم واللعب بأمنهم واستقرارهم.
كنا نشيد ونثمن وننوّه بعمق العلاقات والمصالح مع القوى الكبرى، ولكن تمادي هذه القوى وإساءتها لنا دفعنا لوضع حد لهذه العلاقات وأرغمنا من أساء على الاعتذار.
كنا نتلقى خطابات من قادة الدول الكبرى، فإما نشيد ونؤيد أو نادراً ما نصمت إذا لم تعجبنا هذه الخطابات، ولكن هذا الوضع انتهى، حيث فاجأ أمس وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل القادة العرب على انتقاد الموقف الروسي وازدواجية معاييره بشأن الأزمة السورية بعد تلاوة خطاب من الرئيس الروسي موجه للقادة العرب في قمتهم، وهو موقف لم نعتد مشاهدته من قبل.
كانت فرائص بعض العرب ترتعد عندما تشتم انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان أو الحريات المدنية، ولكننا بعد الفوضى الخلاقة العارمة واستقرارها في دولنا صرنا لا نكترث بها، ليس لعدم احترامنا لها أو قناعتنا بها، وإنما لإدراكنا بأولوية الأمن على كافة الحقوق فمتى ضاع تلاشت منجزاتنا وضاعت حقوقنا الأخرى دون عودة.
كانت الأولوية للمصالح الوطنية الذاتية، وهو ما زاد من الخلافات والانقسامات العربية - العربية، ولكن التجربة علمتنا أن الانشغال بالخلافات والمصالح الخاصة يؤدي إلى الخسارة دائماً، ولذلك لابد من وضع هذه الخلافات جانباً والعمل بشكل جماعي لمواجهة التحديات قبل ضياع المكتسبات.
ليست هذه أحلاماً وردية خيالية، وإنما خطوط عامة لملامح تحول أمام العرب بعد قمتهم، تحتاج إلى ديمومة وتطوير وسرعة تحرك واسع النطاق وتفاعل شعبي داعم. ولن نتوقع سهولة في الخطوات المقبلة، بل زيادة في التحديات التي ينبغي مواجهتها بمزيد من الحزم والصرامة.