الرأي

نهاية الحضارة الغربية

بنــــــــــادر



أي إنسان يقرأ التاريخ جيداً، سيرى أن الحضارات تمر بما يمر الإنسان من مراحل؛ طفولة، صبا، مراهقة، رجولة، كهولة ثم موت، لذلك لا وجود للنبوءة بسقوط الغرب كما سقطت الحضارات الإنسانية التي سبقت الغرب بقرون من الحضارة الاغريقية او اليونانية الى الحضارة الرومانية وبعدها الحضارة العربية، وصعود الغرب ابتداء من الثورة العلمية والتي جاءت مواكبة للكشوفات الجغرافية لتبدأ مرحلة الاستعمار وسلب خيرات الشعوب الضعيفة، إلى مرحلة نكوص الغرب مرة أخرى وتراجعه الاستعماري المباشر إلى الاستعمار التجاري فقط.
في الأسابيع الماضية صدر كتاب «موت الغرب» للمؤلف الأمريكي باتريك جيه بوكانن، ولمن لا يعرفه فهو سياسي ومفكر أمريكي معروف عمل في منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين، وهو كاتب لعمود صحافي دائم في عدد من الصحف الأمريكية ومؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون في أكبر قناتين أمريكيتين ( إن. بي. سي) و(سي. إن. إن).
ألف العديد من الكتب منها؛ يوم الحساب، حالة طارئة، عندما يصير الصواب خطيئة، الخيانة العظمى. والكتابان المشهوران جداً؛ محق منذ البداية، جمهورية لا إمبراطورية، واللذان كانا من أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة.
والكتاب الذي نحن بصدده «موت الغرب» كتاب مهم يجب الاطلاع عليه وقراءته، وهو يشير إلى قرب انتهاء الغرب، والمؤلف في هذا الكتاب ينبه إلى أن الموت الذي يلوح في أفق الغرب هو في الواقع ميتتان؛ موت أخلاقي؛ بسبب السقوط الأخلاقي الذي ألغى كل القيم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية، وموت ديموغرافي وبيولوجي؛ النقص السكاني بالموت الطبيعي. ويظهر بوضوح في العائلة وفي السجلات الحكومية التي تشير إلى اضمحلال القوى البشرية في الغرب وإصابة ما تبقى منها بشيخوخة لا شفاء منها إلا باستقدام المزيد من المهاجرين الشبان أو بالقيام بثورة حضارية مضادة تعيد القيم الدينية والأخلاقية إلى مكانتها التي كانت من قبل.
ويقول إن الموت المقبل مريع ومخيف لأنه وباء ومرض من صنع أيدينا ومن صناعة أفكارنا، وليس بسبب خارجي، مما يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر، فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب مما يحول الغرب عموماً وأوروبا بشكل خاص إلى (قارة للعجائز).
القصة ليست مجرد تخمينات أو توقعات أو احتمالات، إنما هي حقيقة واقعة، تصدمك لشدة وضوحها، خاصة عندما تبدأ الأرقام بالحديث، فوفقاً للإحصاءات الحديثة؛ هبط (معدل الخصوبة) عند المرأة الأوروبية إلى (1 طفل) لكل امرأة، علماً أن الحاجة تدعو إلى معدل (2 طفل) كحد أدنى لتعويض وفيات السكان الموجودين الآن دون الحديث عن زيادة عددهم، وإذا بقيت معدلات الخصوبة الحالية على ما هي عليه فإن سكان أوروبا البالغ عددهم 728 مليون نسمة بحسب إحصاء عام 2000م سيتقلصون إلى 207 ملايين في نهاية هذا القرن إلى أقل من الثلث.
وفي المقابل ففي الوقت الذي تموت فيه أوروبا لنقص المواليد يشهد العالم الثالت الهند والصين ودول أمريكا اللاتينية (خاصة المسلمين) انفجاراً سكانياً لم يسبق له مثيل بمعدل 80 مليوناً كل عام، ومع حلول عام 2050م سيبلغ مجمل نموهم السكاني 4 مليارات إضافية (4 مليارات إضافية من البشر)، وهكذا يصبح كابوس الغرب حقيقة وتصبح أوروبا بكل بساطة ملكاً لهؤلاء بعد وقت ليس بالبعيد.
ويقول المؤلف: «إن الأرقام تصبح مخيفة أكثر عند تناولها لتشخيص مرض النقص السكاني على مستوى الدول والأمم بعد 50 عاماً من الآن».
ما طرحه المؤلف من إحصائيات قادرة على توضيح الكثير مما يعانيه الغرب الآن، ولهذا يعمل على محاولة الخروج من الأزمة التي يعانيها من خلال تصديرها للخارج، كما تعمل كل من أمريكا وفرنسا والسويد وغيرها من عواصم الدول الغربية.
فترة السقوط بدأت، علينا انتظار ما ستسفر عنه، وأي الحضارات سوف تخرج للسطح.