الرأي

بلاد الفرس أوطاني!

بلاد الفرس أوطاني!








على مقاعد الدراسة ونحن ندرس مواد الجغرافيا والتاريخ كانت نفوسنا البريئة الصغيرة تتجرع القومية العربية، كنا نتشرب تاريخنا العربي بفخر واعتزاز وبحمية ونحن نرسم الخرائط ونلصقها في الدفاتر، كانت أحلامنا العابرة أيامها تتجه نحو إيجاد وطن عربي متحد من الخليج إلى المحيط، تلك العبارة التي زرعت عندنا كقناعة مقتبسة من مجلة ماجد للأطفال التي كنا ندمن على قراءتها والاهتمام بمتابعة الصفحات التي تستعرض تاريخ فلسطين.
في القمم الخليجية كنا نتحلق حول التلفاز بانتظار أن يستعرضوا لنا أغاني «خليجنا واحد وشعبنا واحد!!»، كنا نحب كتبنا الدراسية التي في «قطاعتها الخلفية» شعارات دول مجلس التعاون، تلك الكتب التي زرعت فينا هويتنا الوطنية الخليجية أكثر، فجعلت أحلامنا الخليجية بالاتحاد أقوى بكثير من الأجيال التي جاءت بعدنا ولم تشهد مثل هذه الكتب. كانت أحب البرامج لدينا أيامها في زمن لم تكن هناك فضائيات وكان «الأريل -هوائي التلفزيون- ونحن نفره من فوق السطح» ليستخرج لنا قناة قطر والكويت لمتابعة مسلسلات مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج، ونحن نودع الطفولة كنا ننتظر معجزة ليستكمل إنتاج المسلسلات والبرامج ونرى الجديد عن نشاط هذه المؤسسة التي توقفت فتوقف باب توطين الأحلام الخليجية في نفوس النشء، خروج العراق وحذف علمها من الأعلام الخليجية أوجد جرحاً مؤلماً لدينا، فالعراق الجميلة كانت دولتنا الخليجية السابعة، وكان الطموح وقتها أن تدخل اليمن على الخط وتنضم لهم.
من الخليج إلى المحيط كنا نحلم بوطن عربي واحد لا حدود بينه ولا حواجز، وأن نكون أمة واحدة تحت راية الإسلام والعروبة ندين بالولاء لأرضنا وقيادتنا، كنا نحلم أن تنصهر المسافات فيما بينهم ويتحدوا أكثر، كان الحلم الأكبر أيامها تحرير أرض فلسطين وإعادتها إلى قافلة الدول العربية، كان آباؤنا وأجدادنا يعرفوننا برائعة قصيدة العرب «بلاد العرب أوطاني!»، فرحنا بحماسة الأطفال وأخذنا نردد مثلهم: «بلاد العرب أوطاني.. من الشام لبغداد»، آباؤنا الذين كانوا يأخذوننا ونحن صغار إلى مصر لزيارة قبر الراحل جمال عبدالناصر وتعريفنا بتاريخه العربي وبجمع التذكارات عنه.
اليوم لو حاولنا إعادة زرع هذه القصيدة الجميلة في نفوس الجيل الحالي من الأطفال والنشء لشعرنا ونحن نستحضر كلماتها كمثل من يضع الملح على جرح غائر؛ الشام؟ أين هي؟ برك من الدماء. بغداد؟ تلك التي أحببناها ونحن نطالع الفيلم الكارتوني «سندباد»، وخيل إلينا ونحن صغار أنه بإمكاننا أن نفعل مثله، وأن نحط على سجادته الطائرة ونطير إليها. اليوم لا سندباد ولا سجادة تطير ولا حتى أحلام طائرة بإمكانها أن تذهب بنا إلى بغداد العروبة والثقافة والعلم والجمال، ففي بغداد قد تسبى أو تقتل فقط لأنك سني باسم الطائفية التي سممت أرضها، اليوم بغداد سقطت كما الشام بأيدي أعداء العروبة، العراق التي قاموا بتدريسنا جغرافيتها ومواردها الطبيعية الخلابة وآثارها وتاريخها في إبراز علماء العرب اليوم هي مجرد خراب وتاريخ للدم والقتل والإبادة.
بلاد العرب أوطاني.. ومن نجد إلى يمن، «نجد» اليوم مستهدفة وتحيط بها التهديدات، وهناك من يوهم نفسه بالقدرة على اقتحامها وزعزعة أمنها عن طريق اليمن، اليمن «بنك العرب» وكنزهم التاريخي انزلقت مع الشام وبغداد واختطفت على مرأى ومسمع العرب.
مصر العروبة والمجد أفلتت بفضل من الله من محاولة الاختطاف، غير أنها لاتزال تحتاج للكثير حتى تتجاوز ما ألم بها وتمضي، مصر في فترة ما لم يكن باستطاعة أحد السفر إليها بسبب زعزعة الأحداث الأمنية فيها، أما تطوان المغرب فليست ببعيدة عن مخططات «التشييع» والإرهاب ونار الفتن في المغرب العربي، والكثير من أبنائها وأبناء تونس الخضراء الجميلة قد باتوا يعلنون أن هناك مخططاً لنشر الفكر الإرهابي فيها.
الحلم العربي الذي استعرض كأوبريت غنائي جمع كل طموحاتنا الجميلة البريئة ونحن صغار تقلص، فلم يعد الحلم العربي بإيجاد بلد من الخليج إلى المحيط هو الأولوية لدينا اليوم، تقزمت أحلامنا كثيراً وفتتت وأصبح شاغلنا الحفاظ على أرضنا من الفتن القائمة وشر المخططات فيها.
للأسف هناك من باعوهم الوهم «حقاً»؛ فراح البعض يعملون كمندوبين للفرس في دولنا باسم خرافة حقهم التاريخي المفبرك، وراح بعض أبناء وطني البحرين يتبنى خرافة أن أرضنا هي جزء لا يتجزأ تاريخياً ودينياً من إيران، كيف سقطت لغة الضاد واستبدلت بلغة الدم والإبادة في زمن ما عاد العربي يعرف لم قتل؟ وبأي ذنب يجرد من وطنه؟ هل لأنه مسلم؟ أم لأنه من أهل السنة أم لأنه يدافع عن وطنه؟
باعدنا الغرب وفرقنا باختلاف المذاهب والدين، فلا عاد لسان الضاد يجمعنا؛ بل لسان الأعاجم هو من يفاوضنا، يبدو المشهد الحاصل وكأن الغرب قد وقعوا على كلمات هذه القصيدة القومية فحاولوا إبادتها هي الأخرى باستهداف جميع دول العرب المذكورة فيها، حاولوا إبادة أن يتغنى بكلماتها أي عربي، فالتاريخ القادم يريدونه مغايراً لتاريخه العربي القديم، اليوم العربي لم يعد باستطاعته أن يقول بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد، فلم تعد لا الشام ولا بغداد حقاً عربياً له.
بلاد العرب أوطاني اختطفت من قبل الفرس وأصبحنا نخشى أن يمتد بنا العمر ونرى الأبناء والأطفال وقد نشؤوا على واقع أن هذه الدول بيد الفرس وتعتبر دولاً تابعة لهم، فنروح نقول يومها ونحن نستحضر تاريخنا كما يستحضر الأحوازيون تاريخهم الذي سرق هذه البلاد.. بالأصل كانت لنا.. بالأصل عربية «بلاد الفرس أوطاني».