الرأي

انتهاء حقبة الجماعات السياسية في الخليج العربي

نظرات










شعوب دول الخليج العربية جرّبت مختلف الأيديولوجيات مع تنظيماتها التي تعاقبت على دول المنطقة منذ النصف الأول من القرن العشرين من اتجاهات اليسار إلى الإسلاميين، وانتهت جميع هذه التجارب بالفشل والتطرف.
وعلى مدى نحو قرن من الزمن لم تتح الفرصة لشعوب الخليج العربي لاختيار جماعاتها بإرادتها الحرة رغم أن هناك استحقاقات انتخابية كثيرة، وفرصاً وحقوقاً مكفولة للتنظيم السياسي وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني. فهذه الفرص غالباً ما تكون مستغلة ومسيّسة بأجندات ذاتية أو خارجية.
ما نعنيه هنا أن شعوب الخليج العربي ليس لديها القناعة التامة والثقة الكاملة في تنظيمات وجماعات سياسية لديها مشاريعها الخاصة التي تكون على حساب المصالح العامة للمجتمع، كما إن هذه الجماعات المختلفة ليس لديها القدرة على احتواء واستيعاب مكونات المجتمع التعددي مثل ما يتميّز به مجتمع البحرين كنموذج فريد.
إذن من يتحمل المسؤولية في ظهور جماعات سياسية متعاقبة لا تمت بصلة لهذه المجتمعات وانتهى نشاطها بالتطرف والإرهاب؟
المسؤولية هنا مزدوجة؛ فالحكومات الخليجية تتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية التاريخية في هذا المجال، بالإضافة إلى الشعوب الخليجية وخياراتها الفاشلة. الحكومات انشغلت كثيراً بكيفية احتواء الجماعات السياسية المختلفة والحد من نفوذها الذي دائماً ما تعتقد أنه يمثل مصدر تهديد للأمن والاستقرار الداخلي وتماسك الوحدة الوطنية، خاصة بعد تجارب متعاقبة وصل بعضها إلى الصدامات الدامية. أما الشعوب الخليجية فدائماً ما يتم استغلالها باسم القومية تارة وباسم الدين والمذهب تارة أخرى رغم التطور الهائل في الوعي السياسي الذي تزامن مع تطور المنظومة التعليمية الرسمية خلال قرن، ويمكن القول إن هناك حالات كثيرة لدعم الجماعات السياسية تداخلت فيها المصالح قبل الأيديولوجيا.
بعد تجربة ما يسمى بالربيع العربي اهتزت قناعات الشعوب العربية، وفي مقدمتها شعوب الخليج بأن دعم جماعات سياسية والانخراط فيها أمر غير مجدٍ، وباتت هناك الحاجة للبحث عن بدائل استراتيجية. ولكن هذه البدائل للأسف غير موجودة حالياً، فلا الحكومات عملت على دعم جماعات سياسية معتدلة، ولا الشعوب على استعداد للانخراط في تجارب سياسية جديدة لتأسيس جماعات من الممكن أن تتحول مستقبلاً إلى جماعات متطرفة وراديكالية.
في ضوء هذه الحقائق، لا يبدو أن هناك اتجاهات مستقبلية لظهور جماعات سياسية جديدة في مجتمعات الخليج العربي، ولا يمكن حسم هذه المعطيات الجدلية في ظل غياب الدراسات الخاصة بالثقة السياسية وتحولاتها لدى الرأي العام الخليجي.