الرأي

من ركل القطة؟

بنادر




قبل فترة، قد تكون طويلة، منذ بداية علاقتي بكتب التنمية الذاتية، التقيت بعشرات القصص التي توضح طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع وبين الجماعة والجماعة المختلفة معها في الأفكار أو في الدين أو في القومية أو التوجه الأيديولوجي، وأنا أحاول قدر ما يمكن الاستفادة من القصص الواقعية أو القصص التي من الممكن أن تحدث في الواقع، والكتابة عنها والتعامل مع الأجواء السلبية أو الإيجابية التي تطرحها.
قبل فترة جاءتني أحدى مسجات الأصدقاء في التلفون، قصة جميلة مقتبسة من كتاب «من فنون التعامل مع الناس وفن الإدارة»، وتحت عنوان «من ركل القطة؟»، تقول القصة..
كان مكتب المدير يعج بالفوضى والأوراق والملفات مبعثرة هنا وهناك، وفوق كل ذلك فهو لا يعرف كيف يتعامل مع الآخرين، ويفتقد إلى مهارات التعامل مع الناس، وكانت الأعمال تتراكم بشكل تلقائي، ويحمل نفسه ما لا تطيق، فلا يعرف متى يقول نعم، ومتى يقول لا.
صاح بسكرتيره يوماً، فدخل ووقف بين يديه، فصرخ فيه: اتصلت بهاتف مكتبك ولم ترد؟، قال: كنت في المكتب المجاور.. آسف، قال بضجر: كل مرة آسف آسف خذ هذه الأوراق وسلمها لرئيس قسم الصيانة وعد بسرعة.
مضى السكرتير متضجراً من هذا التعامل، وألقى الأوراق على مكتب رئيس قسم الصيانة، قائلاً: لا تؤخرها علينا. تضايق الرجل من أسلوب السكرتير، وقال: حسناً.. ضعها بأسلوب مناسب. قال: مناسب.. غير مناسب، المهم خلصها بسرعة. فتشاجرا حتى ارتفعت أصواتهما، ومضى السكرتير إلى مكتبه.
بعد ساعتين أقبل أحد الموظفين الصغار في الصيانة إلى رئيس القسم -إياه- وقال: سأذهب لآخذ أولادي من المدرسة وأعود، صرخ الرئيس: وأنت كل يوم تخرج؟ قال: هذا حالي منذ عشر سنوات، وهذه أول مرة تعترض علي! قال: ارجع لمكتبك، مضى المسكين لمكتبه متحيراً من هذا الأسلوب، وصار يجري اتصالات يبحث عمن يوصل أولاده من المدرسة للبيت، حتى طال وقوفهم في الشمس، وتولى أحد المدرسين إيصالهم.
عاد هذا الموظف إلى بيته غاضباً، فأقبل إليه ولده الصغير معه لعبة، وقال: بابا.. المدرس أعطاني هذه لأنني.. صاح به الأب: اذهب لأمك، ودفعه بيده.
مضى الطفل باكياً إلى أمه؛ فأقبلت إليه قطته الجميلة تتمسح به كالعادة، فركلها الطفل بقدمه، فضربت بالجدار.
السؤال: من ركل القطة؟! الجواب هو «الجميع ركل القطة»، أو بمعنى آخر الكل شارك في ركل القطة، صحيح أن البداية كانت عند المدير، لأنه ضغط نفسه حتى انفجر، فانتقل الانفجار والضغط منه إلى من حوله، فانفجر كل من حوله، إلا أنه كان من المفترض أن يمرن كل شخص نفسه على صد تلك الانفجارات والضغوط، فلو حجز السكرتير ذلك الانفجار في حدود مكتبه، لما جرى ما جرى، ولو استوعب رئيس قسم الصيانة حالة السكرتير المضغوط، لوأد الانفجار في مهده، ولو ضبط الموظف نفسه، لما نهر ابنه بهذه الطريقة ودفعه، أما الطفل.. فهو يحتاج لتربية كل ما مضى قبل أن يصبح مثلهم.
إننا بحاجة لتدريب أنفسنا على مصدات الغضب والانفعال، وتربية النفس على «التغافل» وضبط النفس والاعتذار عن الأشياء التي لا نقدر عليها، حتى لا يتعدى ضررها إلى أناس أبرياء لم يكونوا طرفاً في المشكلة أصلاً، ولا ذنب لهم.
إن هذه القصة التي قرأناها في الأعلى تعبر تعبيراً حقيقياً عن قانون العلة أو المعلول، والتي تؤكد على أن هناك دائماً ثمة وجود عامل مؤثر على غيره، وكما يردد أصحاب النظريات التأثيرات الكونية أو الطبيعية؛ إن حركة جناح فراشة في كوبا، على سبيل المثال، من الممكن أن تؤدي إلى عاصفة في الفلبين.
من هنا علينا ألا نأخذ موقفاً من أي شخص ما، أو حدث ما مباشرة، قبل التأمل في الأسباب التي أدت إلى حدوث القول أو هذا الموقف، وعلينا أن نتذكر على الأقل العنوان الذي لابد أن يلتصق بأذهاننا «من ركل القطة؟».