الرأي

السراب السياسي

نظرات


الوهم في الشرق الأوسط لم تقدمه فقط الجماعات الدينية، بل قدمته قبلها جماعات اليسار التي آمنت بالاشتراكية، وبعضها سعى لإقامة دول اشتراكية في الخليج العربي وبعض الدول الأخرى، وفي النهاية فشلت الجماعات الدينية بتقديم مشروع حضاري يمكن الاعتماد عليه نحو مستقبل أفضل للمنطقة، وقبلها فشلت الجماعات اليسار إلى أن انكمشت وانتهت اليوم.
بالتالي فإن جميع الجماعات السياسية بمختلف اتجاهاتها قدمت الوهم للجماهير وعاشت سراباً سياسياً طال أمده أو قصر طبقاً لظروف كل مجتمع وبلد عربي، وغالباً ما ينتهي السراب السياسي بانتشار العنف والإرهاب.
حتى جماعة الإخوان المسلمين التي كان البعض يؤمن باعتدالها الفكري والسياسي عندما تولت الحكم في مصر غاب الاعتدال والعقلانية، أثبتت خلاف ذلك باعتمادها الإقصاء ونفي الآخر، ومارست التمييز إلى أن انتهى بها كجماعة إرهابية في مصر وعدد من الدول العربية بعد أن مارس كوادرها أعمال العنف والإرهاب والقتل وشاهدنا ذلك عبر الفضائيات.
السراب السياسي المبني على الوهم هو تلك الظاهرة التي يتم الحديث عنها بشكل عابر أو محدود ويخشى أصحاب الأيديولوجيات الحديث عنها لأنهم نادراً ما يمارسون النقد الذاتي؛ بل يهربون منه باستمرار بعد أن ابتكروا الوهم وعاشوا فيه ورفضوا الخروج منه نهائياً.
هناك محاولات قليلة ونادرة لمناقشة ظاهرة السراب السياسي، وأعتقد أن طرح الباحث الإماراتي الدكتور جمال سند السويدي كتابه «السراب» قريباً يقدم محاولة جادة لمعالجة هذه الظاهرة خليجياً وعربياً. مؤخراً أتيحت لي الفرصة للاطلاع على أجزاء من الكتاب الذي يناقش ظاهرة السراب لدى الجماعات الدينية التي شملها ببحثه (الإخوان المسلمين، والسلف، والسروريين، بالإضافة إلى الجماعات الجهادية)، وما ميّز أطروحته تركيزه على الواقع المعاصر لهذه الجماعات عندما ساهمت بأجندتها فيما يسمى بـ «الربيع العربي» وما ترتب على هذه المرحلة.
خلاصة أطروحة السويدي تقوم على تقديم تفسير علمي لأسباب تقديم الوهم وظهور السراب السياسي لدى الجماعات الدينية، والإجابة على تساؤل يتعلق بمستقبل هذه الجماعات ومدى إمكانية ظهور جماعات سياسية مستقبلاً تعود مجدداً لبيع السراب السياسي في ظل غياب الضمانات.
مقارنة أطروحة السويدي بمعطيات الواقع تمكننا من الخروج بنتيجة وهي أن الوهم الذي قاد للسراب السياسي لا يوجد عند الجماعات الدينية في المنطقة، بل سبق أن كانت هذه الظاهرة موجودة لدى جماعات اليسار قبل عقود عدة، وكان مصيرها الفشل أيضاً. مما يعني أنه لم تأت حتى الآن أي جماعة سياسية في الخليج والدول العربية قادرة على تحقيق تطلعات الشعوب في النهضة، والأهم من ذلك لماذا يحتاج العرب الجماعات السياسية لتحقيق نهضتهم المرتقبة؟