الرأي

حرية.. حريات.. حوريات!

نظرات



ينتشر في شبكات التواصل الاجتماعي «كاريكاتير» لافت على نطاق واسع لفنان لم أتعرف على هويته حتى الآن؛ يختزل فيه التحولات التي طرأت على المطالبات الشعبية في المجتمعات العربية، حيث يرسم ثلاثة أشخاص في تطور زمني متقادم وتبدأ فيه المطالبات بالحرية، ثم تنتقل للمطالبات بالحريات، وأخيراً المطالبة بالحوريات!
هذه المطالب الثلاث تختزل تحول يمتد لقرن شهدته الدول العربية بدءاً من العمل والنضال من أجل نيل حرية الاستقلال للشعوب العربية منذ النصف الأول من القرن العشرين. حيث فوجئ العرب أن الاستقلال قاد إلى الاستبداد وظهرت مجتمعات استبدادية، وأنظمة سياسية مستبدة، وهو ما دفع الشعوب لاحقاً إلى المطالبة بحرياتها على مدى أكثر من 3 عقود، ولم تتصور الشعوب نفسها أن مطالبتها بالحريات ستقودها إلى مرحلة (الحوريات) وهي الفترة التي تقوم على سيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة واستلاب الفكر والحريات دون عودة.
المحصلة كانت الفشل في نيل الحريات لأنها حريات لم تطالب بها الشعوب عن قناعة بقدر مطالبات كانت تعكس أجندات جماعات أيديولوجية معينة، فتنظيمات اليسار قادت مطالب الاستقلال ثم الحريات، ولكنها كتنظيمات فشلت فشلاً ذريعاً وخسرت الجمهور وانتهت هذه الجماعات وصارت جزءاً من الماضي السياسي. أما الجماعات الإسلامية التي اشتركت مع تنظيمات اليسار في المطالــــــب المتعلقة بالحريات سرعان ما انتقلت إلى مرحلة (الحوريات) إن صحت التسمية حسبما قدمها الفنان الذي أجهل هويته حتى الآن.
مرحلة (الحوريات) هي مرحلة فشل أيضاً؛ فالجماعات الإسلامية لم تتمكن من تقديم النماذج الحقيقية لمشاريعها السياسية في مختلف البلدان العربية بدءاً من دول الخليج إلى دول المغرب العربي، بل كانت مشاريعهم أخطر من مشاريع اليسار حتى لسبب بسيط وهو أنه متى ما دخلت هذه الجماعات في السياسة وتولت نفوذاً سياسياً هائلاً فإن مصيرها الدخول في نفق طويل من الخلافات لابد أن ينتهي إلى ظاهرة تقسيم وتمزيق الدولة، وهناك نماذج عديدة (السودان، وفلسطين، والعراق، وليبيا، ولبنان، وسوريا)، وستة نماذج كافية لتأكيد هذا التحليل.
هذا التحول في المطالب وانتقال الجماعات السياسية المختلفة من الاستقلال إلى الحريات ثم الحوريات، وأخيراً فشل هذه الجماعات السياسية يؤكد لنا عدم وجود جماعات وتيارات سياسية في المنطقة قادرة على تحقيق تطلعات الشعوب وطموحاتها، فجميعها قدم الوهم للجماهير التي ضاعت في السراب السياسي دون عودة.
ولنا مزيد من التحليل غداً حول ظاهرة السراب السياسي.