الرأي

فقه الأولويات..!!

ابيض و اسود




ليس من الحكمة في شيء أن نتجاهل كل الأحداث التي تجري في محيطنا الإقليمي، وليس مريحاً أيضاً أن نبقى كدولة دون وضع حد نهائي وأخير للإرهاب الذي يختفي فترة ثم يظهر ويضرب.
أعرف أن المواطن تشغله حياته ومعيشته والدخل المادي والسكن والتعليم والصحة، أو ما يسمى بثالوث الأولويات؛ غير أهمية كل ذلك، يجب ألا نغفل عما يجري حولنا (وهذا رأي شخصي متواضع) إننا نحتاج لطريقة مختلفة تماماً للتعاطي مع ملف الأمن والدفاع، وهما متلازمان جداً.
موضوع الأمن لا يحتاج إلى فلسفة كبيرة بقدر ما يحتاج إلى تطبيق القانون وإنهاء الإرهاب والقضاء عليه قبل أن تتدحرج كرة الأحداث التي لا أحد يعرف متى تأتي، أما ملف الدفاع فقد طرحت أمس فكرة (وهي مجرد اجتهاد) من أجل أن نلبي رغبة كثير من الشباب يتمنون أن يصبحوا قوة احتياط لوطنهم.
ما جعلني أكتب هذا العمود اليوم هو اقتراب موعد مناقشة الميزانية العامة للدولة بمجلس النواب، وأعتقد أننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى لدعم ميزانية الدفاع، حتى وإن كانت البحرين عضواً ضمن منظومة مجلس التعاون.
إلا أننا نحتاج أن نضع أولويات أكبر لميزانية الدفاع (تدريباً وتسليحاً وزيادة أعداد المجندين) فما يجري حولنا يحتم علينا ذلك، والأولويات توضع بحسب الظروف التي تعيشها المنطقة وبحسب واقعنا اليوم، أو كما يقال أن يكون لدينا «فقه الأولويات».
بالمقابل وعلى صعيد آخر من الميزانية والأولويات، فإن موضوع التنمية وزيادة الموارد والمداخيل على الميزانية العامة يشكل أهمية لدى الحكومة والنواب معاً، فمن غير زيادة الموارد لن نتمكن من زيادة الإنفاق على معيشة المواطن بشكل دائماً ومستمر ومتصاعد.
على الطرفين، النواب والحكومة، أن يضعوا خطة وميزانية وبرنامج عمل تظهر المشاريع التي تحتاجها البحرين لأجل تنمية المداخيل دون تحميل أعباء على المواطن.
تحدثت في هذه الزاوية كثيراً عن السياحة، وطرحت تساؤولات كثيرة منها هذه الأسئلة التي تدور بخلد المواطن والزائر الخليجي معاً؛ لأجل ماذا يأتي الزائر الخليجي إلى البحرين؟ هل سياحتنا سياحة «فنادق» ومجمع تجاري وسينما؟ هل لدينا سياحة بحرية وبلدنا يتشكل من مجموعة جزر؟ هل لدينا سواحل مفتوحة ورياضات بحرية؟ هل لدينا مدينة ألعاب عالمية؟ هل لدينا أسواق شعبية محترمة مثل دول المنطقة كسوق واقف في قطر أو المباركية في الكويت؟
هل لدينا برامج ترفيهية أسبوعية تحاكي الأسرة الخليجية وتجعلها تقصد البحرين؟ هل لدينا أجندات لمواسم العطلات في دول الخليج من أجل أن نقدم (بكج متكامل) لمن يريد أن يقضي الإجازة بالبحرين، ونقيم فعاليات خاصة لهذه الإجازات؟ أليس من المفترض أن تكون السياحة هي المصدر الثاني للدخل على أقل تقدير؟
حين يأتي السائح الخليجي فإن جميع القطاعات ستعمل؛ الفنادق، شركات الصرافة، البنوك، المطاعم، سواق الأجرة، حركة البيع ستتحرك، طيران الخليج ستربح أكثر، مكاتب السياحة ستعمل، حتى شركات الاتصالات ستجني الأرباح كلما زاد عدد الزوار، المشاريع العقارية ستتحرك أيضاً.
كل شيء يدور ويتحرك بزيارة السائح، لكننا حتى اليوم لا نضع ذلك كأولوية لتنمية موارد الدولة وتقوية الاقتصاد وتحريك كل أوجه التجارة.
من هنا؛ أليس من الواجب والضروري أن تكون لدينا ميزانية كبيرة لإقرار مشاريع سياحية ضخمة تستقطب السائح الخليجي؟
حتى الساعة هذا الموضوع لا يشكل أهمية كافية، بينما هو في صلب موضوع تنمية إيرادات الدولة بعيداً عن جيوب المواطنين، كما أن لدينا مقومات غير مستغله مثل كحوار مثلاً، فما بها من مشاريع إنما هي دون الطموح بكثير.
نريد ونتمنى في هذا التوقيت الحساس أن نضع أولويات حقيقة تحتاج إليها البحرين من أجل أن نسابق الزمن ونلحق ما فاتنا وما سبقنا إليه جيراننا، ليس عيباً أن نتحرك اليوم، العيب أن نبقى نتفرج ونقول: «المفروض نعمل كذا» لكن هذا المفروض لا يأتي أبداً..!
حين كانت السياحة مع الثقافة تمنينا أن تضخ تلك الملايين الكبيرة في السياحة، وإذا بها تضخ في الثقافة (ويا ريت) في المكان الصحيح، ملايين ذهبت أدراج الرياح، ولم يتحقق ما نصبو إليه كمواطنين من مشاريع سياحية تحاكي الواقع، وليس سياحة ثقافية ارسطقراطية لا تجذب الخليجيين، وهم الهدف الأول.
حتى الساعة لم نعرف ما هي قائمة أولويات السائح الخليجي الذي يأتي للبحرين، ولأننا لم نعرف ذلك، ولم نجرِ دراسة علمية حول هذا الموضوع فإننا نسير دون خارطة طريق ودون أهداف، ومن ليست لديه أهداف لن يصل إلى شيء.
في الميزانية الجديدة و(من بعد إقرار ما يحتاجه المواطن من أولويات هامة) أتمنى لو أننا نضع الأولويات للدفاع والأمن، هكذا نرى المشهد من خلال ما يجري حولنا، وأن نضع خطة حقيقية لتنمية المشاريع السياحية من أجل استقطاب السائح الخليجي بعيداً عن مجمع تجاري واحد وبعض الفنادق..!
** رذاذ
حتى ما نملكه من مقومات سياحية متوفرة وقائمة لا نعرف كيف نروج لها إعلانياً، ولا كيف نضع المعلومة والصورة في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تويتر او الانستغرام، أو مواقع السفر على الإنترنت وهي كثيرة.
اليوم تجد أناساً يتحركون لزيارة بلد، فقط لأنهم شاهدوا صورة واحدة في الانستغرام، وهذه حقيقة، لكننا لا نعرف كيف نخدم سياحتنا حتى الساعة مع كل احترامي للجهود المبذولة.
فمثلاً لدينا فنادق على البحر بمناظر خلابة وجميلة، لكننا لا نروج للصورة ولا للموقع بشكل صحيح حتى يجذب السائح.
خلال سفري لدول الخليج، مازلنا نُسأل عن الحالة الأمنية بالبحرين، مازال هذا الهاجس لدى البعض، ونحن لم نقضِ الإرهاب بعد، ولم نروج بالمقابل لبلدنا بشكل صحيح وقوي، الإعلان والإعلام لهما دور مؤثر وكبير جداً في تغيير الصورة السابقة، وأحسب أننا لم نستغل هذا الدور حتى الساعة.
** تعقيباً على موضوع تمكين
ورد لي تعقيب جميل من الأخ إبراهيم التميمي من مركز التميز والناشط إعلامياً بشكل مميز، التعليق على لسان الأخ إبراهيم نفسه، ويقول: «زارتنا خلال الفترة الماضية إحدى الأخوات من دولة الكويت الشقيقة وهي تتبع الصندوق الكويتي لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والذي خصص له أمير الكويت حفظه الله ميزانية تقدر بملياري دينار كويتي، الأخت أرادت التعرف على تجربة البحرين في هذا الجانب»، ويضف الأخ إبراهيم «قمنا بأخذها في جولة على كل ما له علاقة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة (تمكين، بنك الأسرة، بنك الإبداع، بنك التنمية، غرفة التجارة، والمجالس النوعية، ومشروع ريادات، ومشروع الأسر المنتجة) ومشاريع كثيرة أخرى!».
يقول الأخ إبراهيم إن «الأخت من الكويت أصيبت بالاندهاش مما تملكه البحرين من مشاريع جميلة ورائدة وبنية تحتية لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة»، وقد قالت بالحرف الواحد: (مواردكم محدودة، ولديكم كل هذا الكم من المشاريع، إذاً ماذا لو ان لديكم ميزانيات كبيرة؟!».
(انتهى النقل) وأقول الآن أن هناك أمراً هاماً يجب أن نجاهر به، فبرغم كل النواقص والسلبيات والمشكلات، إلا اننا في البحرين لا نرى الجانب الإيجابي الذي تحقق بفضل الله وننتقد ونجلد ذاتنا، بينما حين يأتي الينا زائر من الخارج فإنه شاهد الامور على حقيقتها، ويشاهد صورة لا نريد نحن ان نراها كمواطنين.
نعم نتمنى اكثر، ونريد المزيد، ونريد ان نركز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل اكثر واكبر، لكن أيضاً يجب أن نحمد رب العباد على ما تحقق، وهو جهد مشكور لكل من ساهم في بناء هذه المؤسسات والتشريع لها ووضع الميزانيات، سواء كانت الحكومة الموقرة، او مجلس المرأة، او مجلس التنمية الاقتصادية، او تجار البحرين الكرام من خلال غرفة التجارة.