الرأي

مؤتمرات إلكترونية للنخبة على مدار الساعة

نبضات


من منا لا يستخدم التكنولوجيا بمختلف أشكالها؛ بعد أن أصبحت شريكنا الحقيقي الأول في الحياة والطرف الأكثر إخلاصاً والتصاقاً بنا؟ من منا لا يعتمد على التكنولوجيا في البحث بكافة أشكاله للحصول على المعرفة؛ لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية، أو هل بإمكان أحدنا الاستغناء تماماً عن وسائل التواصل الإلكترونية في هذا الكون، والتي باتت تربطنا بالناس من حولنا على اختلاف مشاربهم ومواقعهم من الكرة الأرضية؟!
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي في عالمها الافتراضي، حقيقة نعيشها أكثر من واقعنا الفعلي، وأصبح تداول المعلومة فيها حقيقياً بحيث لا يخضع لقيد أو تكبيل حريات أو زيف.. لذلك باتت متنفساً أصبحنا نأوي إليه في كثير من الأحيان لنمارس عادة التفكير بلا مساءلة، ولنحصل علـى المعلومات بمنتهى السرية رغم علانيتها وسهولة الوصول إليها.
إن مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات التكنولوجية الحديثة، مكنت من مد جسور الوحدة بين أبناء البلد الواحد، بين أبناء أي قاسم مشترك كالمعتقد والأيديولوجيا والاهتمام والانتماء وغيره، وهو تماماً ما فعلته في مد جسور الترابط والتآخي بين أبناء المجتمع الخليجي وتعزيزها، في تجاوزها لمعوقات الحدود الجغرافيـــة، حتـى لم يعد يخفــــى علينا في البحرين ما يجري بالمملكة العربيـــة السعوديـــة، بـــل فـــي أصغـــر قراها، وكذلـــك في الكويت والإمارات وبقية دول الخليج، بل ما يحدث في بيوتها وطرقاتها في كثير من الأحيان، والعكس لكل منها وغيرها صحيح. الجانب الآخر أنها أصبحت ملاذاً للمفكرين والباحثين عندما أدركوا كيــــف للجهــــــــــد الفــــــــردي أن يكون مثمــــراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية.
ولعل واحدة من النماذج المهمة التي استثمرت فيها بعض النخب الفكريـــــة المواقع والتطبيقــــات التكنولوجيــة الحديثة «مجموعـــة مراقبة الخليج»، والتي كانت مركز أبحاث تقليدياً ثم تحولت في شكلها الإلكتروني الجديد بإدارة د.ظافر العجمي من الكويت، والتي تضم نخباً فكرية متنوعة من رؤساء التحرير والكتاب، والأكاديميين والسياسيين، ورؤساء مراكز أبحـاث استراتيجية، ونخبة من القادة العسكريين وكبار المسؤولين بالخليج العربي بمختلف توجهاتهم الأيديولوجية، ولذلك فإنها فرصة كبرى لتحقيق مستوى عالٍ من التلاقح الفكري والتعرف على الآراء والرؤى.
تعد مثل هذه المجموعات إحدى الأدوات المهمة التي من شأنها الحفاظ على لحمة الخليج العربي وتماسكــــه والحفاظ علـــى أمنــــه واستقراره، كما أنها تعمل علـــى تحقيق فرص دراسة الموضوعات وبحثها من كل جوانبها، وبالتالي تقديم آراء أو اتخاذ قرارات رصينة، ولذلك فإن التقنيات الحديثة أتاحت لمستخدميها من قادة الرأي وصناع القرار السياسي في الخليج العربي مزيداً من الآفاق وكثيراً من فرص الارتقاء بنشاطاتهم ومراجعة أفكارهم وآرائهم باستمرار.
الجميل في الأمر أننا نتحسر في بلادنا الخليجية على فرص المؤتمرات المحدودة، وإن توفرت فلعــــل المحتوى أو الاستفـــــادة لا تأتي بحجم التوقعات والحاجة، غير أن التكنولوجيا الحديثة ونتائجها المذهلة، حولت مجموعة بحث تقليدية إلى مؤتمر خليجي إلكتروني خاص يعمل لـ«24» ساعة، «7» أيام في الأسبوع من خلال مجموعة «واتس أب»، تركز على «الخليج العربي الذي تمتع بأهمية كبيرة أدت إلى خلق عبء استراتيجي على أهله بصورة ظهرت فيها الجغرافيا وهي تثقل كاهل التاريخ، وهي مجموعة لاستشراف مستقبل الأمن في الخليج العربي».
ورغم أن هذه المجموعة جهد بحثــــي فــــردي، إلا أن إدارتهــــا وضعت لوائح خاصة كأي مجموعة مؤسساتية محترفة، يتم فيها اختيار الأعضاء بدقة متناهية من خلال مجلس حكماء يقرر قبول طالب الانتساب من عدمه، ويبحث عن مرشحيه للانضمام بعناية، كما لا يتوانى مدير المجموعة عن تقديم الإنذارات أو استبعاد أحد الأعضاء بصفة مؤقتة أو دائمة في حال مخالفة اللوائح التي تمنع تكرار الموضوعات والتعرض للمعتقد والتحريض وعرض مادة خارجة عن الذوق العام أو الأخلاق الإسلاميــة العربية، بل والإصـــرار على النفس التصالحي بين أبناء الخليج بعد تقلبات مرت بنا في الأعوام الماضية.
إن الغرض من استعراض مثال كهذا هو التشجيع على قيام مجموعات مشابهة في مجالات اهتمام مختلفة، تسهم في الارتقاء بالفكر الخليجي وصناعته، وتمنحنا مزيداً من الجدية والمسؤولية، ولنخرج بمواقع التواصل الاجتماعي وجميع التطبيقات الإلكترونية من استخداماتها الهزلية والترفيه القاتل المفسد إلى آفاق أرحب للفكر والاهتمام والاختصاص والثقافة، والارتقـــاء بمجتمعنـــا الخليجـــي، لنبرهن لأنفسنا، ثم للعالم، أن ما خصنا به الله من نعم، وما نحظى به من خيرات يحسدنا عليها آخرون في الخارج، ليست هي جل رصيدنا في هذه الحياة، ولنؤكد بعقولنا.. بسواعدنــــا.. أن «الخليج ليــــس نفطاً».
- اختلاج النبض..
بما أني واحدة من ضحايا الإنذارات.. فإنه وبعد هذا المقال «الرشوة».. أظنني أستحق من مدير «المجموعة» العسكري الحازم الحصانة لعام كامل لأبوح بنبضي وبما يخرج عن سيطرة النبض بمنتهى الحرية، بلا إنذار أو استبعاد مؤقت كما جرت العادة!