الرأي

العزلة تلف الحوثي

العزلة تلف الحوثي


نشرت صحيفة «كيهان» المقربة من مرشد الثورية الإيرانية علي خامنئي قبل أيام، تقريراً يدعو مواربة للحرب الأهلية في اليمن، إذ كالت الاتهامات ضد شرعية الدولة وقبائل محافظة مأرب التي اعتبرها «عبوة بيد دول الخليج وتركيا» تفجرها الثورة الإسلامية عبر «حركة أنصار الله» متى أرادت.
ربما يجد الحوثيون «أصحاب الثورة المحقة» كما وصفهم التقرير، أنفسهم داخل سجن كبير شمال اليمن، ويلجؤون عندها لاستراتيجية الهروب إلى الأمام واصطناع أزمات أكبر، وإشعال الحروب الأهلية العبثية لإحكام سيطرتهم على الحكم، وسرقة مقدرات دولة وتاريخ شعب.
الحوثيون بعد أن أججوا روح الحماسة لدى أنصارهم في مران وغيرها ضد «الجرعة»، وأعلنوا وقوفهم مع الشعب المقهور، فشلوا -عن قصد أو سوء تدبير- في تجاوز أزمة البلاد الخانقة بعد سلبهم صنعاء، بل ازدادت الأزمة سوءاً، والعزلة الدولية والإقليمية فرضت نفسها، وظهر جلياً فقر الحوثي لمشروع وطني حقيقي، تلتف حوله جماهير الشعب ويلقى قبولاً بدوائر صنع القرار العالمية.
لا يملك الحوثي سوى خيار القوة لفرض الشراكة والاستحواذ على القرار السياسي، بينما يسير اليمن نحو المجهول، وتتعقد شبكة العلاقات الإقليمية والعالمية على خارطتها، بإحكام الحوثي قبضته على طريق التجارة العالمي عند مضيق باب المندب.
حالة التخبط الشديد للحوثي وقوى المخلوع علي عبدالله صالح أرخت بظلالها على المشهد اليمني المأزوم، هم لم يستوعبوا انتقالهم من حالة الهجوم إلى الدفاع بخروج هادي إلى عدن وإعلانه صنعاء عاصمة محتلة، وإغلاق دول كثيرة سفاراتها في صنعاء ونقلها إلى عدن، ما يعني أن العالم يعترف بشرعية الرئيس، ويضع الحوثي بقائمة الجماعات المارقة.
القرارات المتناقضة لجماعات الملالي مغتصبي صنعاء، وفقدانهم البوصلة، يضع علامات استفهام كبيرة أمام مشروع وطني يزعمون وجوده، ففي حين يهددون هادي بملاحقته كمطلوب للعدالة بسبب عودته عن الاستقالة، هم يهددون رئيس الوزراء بالمحاكمة بسبب عدم عدوله عن الاستقالة.
وبينما يتملق مستشار الحوثي صالح الصماد السعودية، يتهمها «السيد» بتمويل الإرهاب ويتوعدها بالحرب، وناطقهم الرسمي محمد عبدالسلام يصرح ضد الدول التي أغلقت سفاراتها، وبعدها بيوم واحد يطلب من نفس الدول التأني ويتوسلها تحري حقيقة الوضع.
اللجنة الثورية التابعة لقادة الانقلاب تتهم حكومة بحاح بالعمالة للخارج وتنفيذ توجيهات صهيو أمريكية، ومن ثم يكلفونها بتسيير الأعمال الحكومة لحين تشكيل حكومة وطنية «غير عميلة»، فأي دولة يريد الحوثي أن يبنيها؟!
الكاتب عبدالفتاح حيدرة شبه إدارة الحوثيين للاقتصاد والسياسة الخارجية، بإعلان تلفزيوني يبث في الفضائية اليمنية بلهجة مصرية يقول الإعلان «من النهار ده خيرنا مش حيروح لغيرنا»، فالحوثي لا يرى من الشعب اليمني سوى مجموعة صغيرة تدين له ولملالي طهران بالولاء، ويؤدون فروض الطاعة.
وربما يمكن فهم حالة التخبط هذه، إلى انعدام خبرة الحوثيين في إدارة شؤون دولة، فهي جماعة لم تجرب سوى حمل السلاح، وتنفيذ أعمال التصفية الجسدية وسفك الدماء، ولا يعرفون من شؤون الإدارة سوى الخطابات الثورية لرفع الروح المعنوية لمريديهم، دون أدنى اهتمام بما تنطوي عليه من مغالطات ومتناقضات.
بعد أن اقتحم الحوثيون صنعاء واستباحوها، نفشوا ريشهم كالطواويس، وصدقوا ما قالته طهران بوصفها دخول صنعاء بـ»الحدث العظيم»، نسوا تماماً أن اليمن رغم أهميتها -تاريخياً وجغرافياً- ليست محور العالم، وأن حاجة اليمن للعالم لا تقاس بحاجة العالم إليها وأن إيران ليست كل العالم، فطيلة 33 عاماً من حكم صالح عاش اليمن على المساعدات الدولية والسعودية، بينما راكم صالح المليارات في خزائنه، واعتلى عرش قائمة فوربس.
أمام الحوثي والمخلوع الآن خياران لا ثالث لهما؛ يتلخص الأول في التنسيق مرحلياً مع دعاة فك الارتباط في الجنوب للالتفاف حول شرعية الرئيس هادي ومن ثم الانقلاب عليهم، بعد السيطرة على الجنوب وثرواته، والثاني هو فصل شمال اليمن عن جنوبه واستئثارهم بالسلطة في الشمال، بعد القضاء على بؤر المقاومة في مأرب وتعز، وتلك مهمة شاقة دونها تهرق الدماء.