الرأي

سلمان بن حمد وعالم بلا ثيوقراطية «2ـ5»

نظرات



البحرين لم تختلف كثيراً عن العديد من بلدان العالم التي شهدت ظهور جماعات ثيوقراطية عملت على تحقيق أجندتها الخاصة، وهذه الظاهرة ارتبطت بظهور الجماعات السياسية في المجتمع المحلي منذ بواكير القرن العشرين.
أسباب متعددة تدفع دائماً لظهور الجماعات الثيوقراطية التي تنتهج الإرهاب، وسمو ولي العهد قدم في رؤيته لهذه الجماعات سبباً مهماً من الأسباب وهو ظهور الفراغ السياسي، وهو الفراغ الذي يمكن أن يظهر في أي مجتمع بسبب ضعف النخبة السياسية الحاكمة، أو بسبب وجود مؤسسات الدولة الضعيفة أو بسبب حالة عدم الاستقرار، وأيضاً من الممكن أن يظهر بسبب وجود أجندة استراتيجية من أجل اعتلاء هرم السلطة في إحدى الأنظمة السياسية.
إذاً الفراغ السياسي الذي يرتبط بظهور الجماعات الثيوقراطية الإرهابية يعد بعداً خطيراً من المهم أن تتابعه وتهتم به أي حكومة وأي دولة. فالفراغ وغياب البدائل السياسية المعتدلة يدفع دائماً لظهور الجماعات المتطرفة التي تنتهج الأيديولوجيا الإرهابية.
اللافت في أن كثيراً من الحكومات الخليجية والعربية لم تتعامل مع ظاهرة الفراغ السياسي بشكل جدي خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، فعندما تأسست الدول العربية الحديثة كانت النخب الحاكمة تعمد إلى تصفية الجماعات السياسية المنافسة، ولم تحرص على احتوائها أو تقاسم السلطة معها.
أما في دول الخليج العربية، فالوضع كان مختلفاً، فالفراغ السياسي الذي ظهر بعد مرحلة تأسيس الدول الخليجية المستقلة خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي لم يحرك الحكومات الخليجية لإيجاد البدائل لملء الفراغ، بل تم ملء الفراغ بالتحالف مع جماعات سياسية كانت الأقرب إلى الاعتدال رغم أن هذه النظرة تغيرت تماماً بعد مرور 4 عقود، إذ تحولت الجماعات السياسية المعتدلة إلى جماعات متطرفة، وبعضها جماعات ثيوقراطية انتهجت الإرهاب لاحقاً.
المنهج الخليجي لملء الفراغ السياسي اعتمد بشكل أساس على مبدأ الاستبدال، وليس مبدأ دعم تأسيس الجماعات السياسية المعتدلة. فعلى سبيل المثال عندما تطرفت الجماعات الليبرالية أو حتى تنظيمات اليسار المختلفة، تم استبدالها بجماعات أخرى إسلامية الاتجاه، ولم يتم دعم إنشاء جماعات سياسية وطنية المسار ومن دون أيديولوجيات مستوردة.
معظم الجماعات السياسية الخليجية النشطة هي جماعات مستوردة الأيديولوجيا استغلت التاريخ السياسي لدول المنطقة وحالات الفراغ السياسي التي طرأت من أجل تكوين شبكة نفوذها داخل الأنظمة القائمة. ولم تشهد دول الخليج العربية مرحلة إيجاد جماعات أو دعم تأسيس كيانات من الممكن أن تعبر عن هذه المجتمعات وخصوصيتها المحافظة.
خطورة الفراغ السياسي كانت واضحة للغاية في رؤية سمو ولي العهد تجاه الثيوقراطية وأدوارها السياسية، وهي تدفع للبحث عن الآليات التي تضمن عدم ظهور الفراغ السياسي باستمرار حتى لو تمت تصفية بعض الجماعات قانونياً أو وفق اعتبارات سياسية معينة.