الرأي

سلمان بن حمد وعالم بلا ثيوقراطية «1ـ5»

نظرات



كانت المفاجأة الأولى خلال جلسة افتتاح حوار المنامة في ديسمبر الماضي عندما اعتلى سمو ولي العهد المنصة الرئيسة وقدم كلمة ارتجالية مذهلة لم نعتد عليها من المسؤولين رفيعي المستوى ليس في البحرين فحسب، وإنما على مستوى دول المنطقة.
المفاجأة في تلك الكلمة لم تكن تتعلق بالحديث عن التحديات الجيوسياسية التي اعتدنا الحديث عنها، بل كانت المفاجأة تناول التحديات بطريقة مختلفة تماماً، في الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون دائماً عن الإرهاب والتطرف وعدم الاستقرار والتدخلات الإقليمية والدولية، ترك سمو ولي العهد هذا كله وقدم تشخيصاً أكثر دقة عكس براعته في التحليل السياسي.
جميع العوامل والاعتبارات التي يتم الحديث عنها بشأن أوضاع المنطقة غير المستقرة تركز على الظروف والأسباب والتعقيدات الهائلة المحيطة بها، ولكنها تتجاهل تماماً سبباً رئيساً لهذه الظروف، وهو الأفكار المتطرفة التي قادت إلى الفوضى المستقرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
سمو ولي العهد عندما حذر من الثيوقراطية قبل شهور، وعاد مؤخراً الحديث عنها بتفصيل أكبر في مقال رائع بالديلي تلغراف دق ناقوس الخطر الذي يعد العامل الرئيس لاستمرار الفوضى المستقرة. فالعوامل الخارجية من تدخلات وأجندة وغيرها موجودة، ولكنها لا تعطينا صورة نهائية للمشهد الذي تمر به المنطقة، فالفوضى الخلاقة عندما بدأت واستقرت لاحقاً لم تكن لتظهر ولتستقر لو لم تكن هناك فرص وبيئة خصبة تحتضن مثل هذا النوع من الفوضى السياسية والأمنية في مجتمعاتنا.
لذلك فالثيوقراطية التي اهتم سمو ولي العهد بتقديم أطروحاته الخاصة بشأنها ظهرت في بيئاتنا الخصبة لاستقبال مثل هذا التحدي باعتبارها مجتمعات مازالت حديثة العهد بالتحول الديمقراطي أو الانتقال السياسي من مرحلة لأخرى في لحظات تاريخية دقيقة.
الثيوقراطية ظاهرة سياسية كانت حاضرة بتطور المجتمعات المختلفة منذ قرون طويلة ومازالت، ولكن اختلاف التعامل معها لم يكن ثابتاً، ففي المجتمعات الأوروبية التي عانت من صراعات حادة لعقود طويلة انتهت لاحقاً بتوقيع معاهدة ويستفاليا الأشهر عام 1648 تم احتواء الثيوقراطية تدريجياً واستغرق ذلك ما يقارب 4 قرون حتى وصل الوضع إلى ما وصلت إليه علاقة الدين بالسياسة في القارة الأوروبية.
وفي ضوء هذه الحقيقة، هل تحتاج الدول العربية التي تعاني من الفوضى المستقرة إلى 4 قرون حتى تحجم نفوذ الجماعات الثيوقراطية المتطرفة؟ أم أن هناك مسارات أخرى يمكن اختزال هذه الفترة الزمنية الطويلة وإعادة الأوضاع إلى نصابها المعتدل؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات أكثر، والإطار التحليلي الفريد الذي قدمه سمو ولي العهد في أطروحاته الأخيرة من الممكن أن يكون مدخلاً ثرياً لبحث علاقة الثيوقراطية بتحول الأنظمة السياسية ودورها في العلاقات الدولية.