الرأي

البنات والشيشة.. ظاهرة بحاجة إلى ضبط!

البنات والشيشة.. ظاهرة بحاجة إلى ضبط!


في زمن «راحوا الطيبين»؛ قبل سنوات طويلة مضت، كان المدخن يعتبر «شاذاً» في المجتمع البحريني، الذي لم يتعود على مظهر وقوف رجل في الشارع يدخن سيجارة، فكانت «الدواعيس» والأماكن المهجورة البعيدة هي الملاذ لكل رجل مدخن، وكان الناس يعتبرون أن لدى المدخن نقصاً في شخصيته وتصرفاته، فلا يزوجونه بناتهم إذا تقدم لخطبتهن، حيث كانت هناك نظرة مجتمعية معينة تجاه الرجل المدخن، وكان المجتمع بالعموم يضطهد المدخنين.
وكم من أب قاطع ابنه أو طرده من المنزل بسبب ضبطه وهو يدخن، وكم من مشاجرة منزلية وقعت بسبب «شم» رائحة الدخان في ملابس الابن، ثم تطور المجتمع البحريني وتشعبت ثقافاته وتغيرت المفاهيم؛ فأصبح المدخنون يدخنون في بعض الأماكن العامة، ولكن كان الكثير منهم يحرص على ألا يدخن أمام أهله، خاصة أمام أبيه أو جيرانه من الرجال، كون الجيران يتخذون دوراً في حياة المدخن كمثل الأب في بذل العقاب للإقلاع عن التدخين وتركه.
اليوم أصبح المجتمع يتقبل صورة الرجل المدخن، وتطور الأمر فانتقل من تدخين السجائر إلى الشيشة في الأماكن العامة دون أن يضطر للاختباء في الأماكن المغلقة غير المرئية، ثم فجأة أخذت الفتيات تقتحمن هذا العالم شيئاً فشيئاً، وكأن هناك موضة قد طرأت فجأة، ففي البداية كان تدخين الفتيات للشيشة غالباً ما يكون سرياً وبعيداً عن الأعين ومحصوراً في أماكن معينة معروفة، أما اليوم ومع انتشار ظاهرة القهاوي التي أصبحت متوافرة في كل مكان فقد كسر هذا الحاجز وبات جلوس الفتاة أمام الشيشة في المقاهي العامة تدخن أمام الجميع من المناظر العادية المألوفة غير المستغربة، وإن مازالت الكثير من العائلات تتحفظ على مثل هذه المناظر ولديها نظرة معينة تجاه الفتاة المدخنة للشيشة.
سابقاً كان الفتيان يحاولون التباهي بأنهم «رجال» معروفة سلوكياتهم بالتوجه والوقوف قرب مدارس الفتيات وتدخين السيجارة والتباهي بإمساكها بكل ثقة، أما اليوم فباتت الآية مقلوبة، وأصبحنا نرى بعض الفتيات الصغيرات اللواتي لم يتجاوزن العشرين سنة حتى «هداهن الله» يعتبرن نضوج الفتاة واستقلاليتها يأتي عن طريق ممارسة حريتها في التدخين، ويعتقدن أن الجلوس في مقاهي الشيشة نوع من «البرستيج» الذي يعبر عن التمدن والتطور إلى جانب تباهيهن بإمساك الفتاة عصا الشيشة ونفث دخانها وهي جالسة على كرسي في أحد المقاهي العامة وأمام الشباب مع خالص الأسف، بعض مقاهي الشيشة، خاصة تلك التي تقوم بتشغيل الأغاني أو استضافه المطربين، باتت تحتاج لضوابط ورقابة للمشاهد الحاصلة فيها والتجاوزات، حيث أصبحت «كما البرنامج اليومي» لمطالعة كيف تتوافد الفتيات الصغار عليها ويجلسن فيها بالساعات الطوال ويقمن بحركات وهن يدخن وبالقرب منهن طاولات عليها شباب يستمعون «لسوالفهن» ويتابعون حركاتهن ويحاولون أن يجدوا مدخلاً للتعرف عليهن، كما أن هناك حاجة للتأكد من سن البنت التي تأتي وإن كانت في السن القانوني المسموح به للتدخين.
بداية الفتيات مع التدخين لا تختلف عن بداية الفتيان معها، فغالباً الابن الذي يدخن يكون قد اقتبس هذا السلوك من والده المدخن، بدءاً بسرقة إحدى السجائر من علبه سجائر الأب أو الأخ الكبير المدخن وتدخينها خفية، ولا نبالغ إن قلنا إن هناك فتيات بدأن في تدخين السجائر ومن ثم الانتقال إلى الشيشة عن طريق اقتباس السلوك من ذويهم أيضاً.
فتيات الشيشة بالعموم ينقسمن إلى ثلاثة أقسام؛ نوع لا يجد حرجاً أو أي مشكلة في التدخين علانية أمام الجميع كون الفتاة جاءت من بيئة لا تعارض التدخين، ونراها تكثر من التردد على مقاهي الشيشة في أي مكان، ونوع آخر نرى أن لدى الفتاة نفس الفكرة بأن التدخين قرار شخصي وحرية وتدخن في الأماكن العامة، لكن مع ضمان ألا يعلم أهلها عنها، ونوع ثالث يبحث عن الأماكن «المخشوشة» البعيدة عن الأعين، خاصة المقاهي التي تحوي غرفاً خاصة للتدخين، هناك من ترتدي النقاب لإخفاء وجهها وتخبئ سيارتها في مواقف بعيدة لتتجه إلى هذه المقاهي ذات الخصوصية.
عادة تدخين الفتيات للشيشة عادة دخيلة على المجتمع البحريني عموماً، ولم تكن قبل سنين مضت متواجدة، أما اليوم فليس مستغرباً أن نجد من الشباب من أخذ يرتبط بالفتاة المدخنة ويجلس معها ليدخنا الشيشة آملاً في إضفاء هالة التمدن والتطور وعقلية «الاوبن مايد» أمام الجميع.
هل كان أحدهم يتخيل يوماً قبل ثلاثين أو أربعين سنة من اليوم أنه سيسير بالشارع ذات يوم ويرى منظر إحدى الفتيات وقد جلست أمام المارة وبكل علانية وأمامها قارورة الشيشة تدخن منها في مقهى؟ قبل سنين مضت كان جلوس فتيات للتدخين أمام مرأى الجميع ضرباً من الخيال ومن «سابع المستحيلات» في مجتمع ما فقه على تدخين الرجال، وكان يحاكمهم ويجلدهم ولا يرحمهم، أما اليوم فبات هذا السلوك يدخل في مفاهيم «حرية السلوك الشخصي» والخوف من كسر هذا الحاجز المجتمعي أن نستيقظ يوماً على مناظر نرى الأطفال فيها يشيشون أيضاً، طالما هذه الظاهرة لم تدرس جيداً أو توضع لها ضوابط، وأن توجد لها مناطق معينة بعيداً عن المطاعم الأخرى ومنازل المناطق السكنية التي يصل إليها دخانها.
ليتفكر كل واحد منا كم من قريب فقد وخسر حياته وامتلأ جسده بالأمراض والأورام بسبب عادة التدخين وما خلفته فيه من أمراض وأوجاع لم يتجرعها جسده لوحده بل أقاربه الذين حرموا منه. إن تدخين الشيشة له مخاطر كبيرة جداً، ولكن تأثيره على المرأة أكبر بكثير من الرجل. منذ سنوات عدة عرفت مدخنة كانت تدخن يومياً السجائر وبعد فترة تغير شكلها كثيراً، وقد أخبرتني بأن التدخين قد أضر بجسدها و«لخبط هرموناتها» مما أدى إلى تساقط شعرها وظهور الحبوب العميقة «دمامل» في وجهها.
كم فتاة تساقط شعرها و«تلخبطت» هرموناتها وبهت لون بشرتها واصفرت أسنانها وتعرضت للتسوس وتكسرت أظافرها وتأخر حملها وتأثرت أحبالها الصوتية وتغيرت نبرة صوتها وفسد شكلها الخارجي بسبب هذه الآفة، والتي حتى الإسلام حرمها حين حرم كل ما يضر بالجسد والعقل والدين والمجتمع والمال.
انتشار مقاهي الشيشة في البحرين وزيادة إقبال الفتيات عليها، خاصة اللواتي لا تتعدى أعمارهن العشرين سنة، يستلزم وقفة جادة لإيجاد تشريعات تجاه هذه الظاهرة، فنحن دولة إسلامية دستورها يقوم على الإسلام وحريتك الشخصية تقف عندما تتجاوز حرية الآخرين، وكما كانت هناك دراسات بجعل سن المتقدم للحصول على رخصة السياقة عشرين سنة بدلاً من 18 سنة؛ فلابد من إعادة النظر في قانون التدخين، فلم يعد مقبولاً أن نرى فتياتنا الصغار أمام زوار البلد وسياحه بهذا المنظر، كما لا نريد أن نرى بعد سنوات قادمة أمام تطور هذه الظاهرة جزءاً كبيراً من موازنة الدولة الصحية يقتطع لأجل علاج مرضى التدخين من جملة الأمراض التي تأتيهم بسببه.