الرأي

أمن الخليج العربي والمحارب الفكري

نبضات










يواجه العالم العربي ودول متفرقة من العالم خطر الإرهاب الجاثم، ورغم كل المواجهات والحروب العالمية التي شنت على الإرهاب، فإن ساكناً لم يتحرك، وكلنا نلحظ ما أن تموت جماعة إرهابية واحدة أو تخمد نيرانها، إلا وقد ظهرت محلها جماعات وتنظيمات وأحزاب. ولا يخفى أن هناك كثيراً من الجماعات الإرهابية المتطرفة، لا سيما في خليجنا العربي، لم تظهر على السطح بعد، وما زالت خلايا نائمة سرية، ولكنها في الوقت نفسه تشهد نمواً متسارعاً بشكل ورمي. وباعتقادي فإن المشهد الدولي العام، والتهديدات الأمنية التي يواجهها الخليج، تجعل من غير المحتمل ظهور مزيد من العروض الإرهابية تمسرح بها تلك الجماعات دولنا.
لا شك في دور بعض القوى السياسية الخارجية في دعم حركات الإرهاب واتساع رقعتها، كما لا شك كذلك في الدعم السياسي والعسكري الذي تتلقاه تلك الجماعات أوالتحريضات من تحت الطاولة، ورغم كل الحلول العسكرية والاقتصادية المتاحة، والتي لم تسهم بما يكفي للقضاء على تلك الجماعات، أصبح من الضرورة بمكان اللجوء لحلول جذرية أكثر أماناً وضماناً ونعومة في التصدي لظواهر الإرهاب وجماعاته منذ البداية، ولعل من أهم الحروب الواجب شنها على الإرهاب، محاربة الفكر الإرهابي، بفكر متوازن معتدل.
إن ما يسمى إرهاباً في دولنا الخليجية إنما هو منبثق في معظمه من الفكر الديني المتطرف، ولذلك يعد برنامج المناصحة بالمملكة العربية السعودية من الخطوات والبرامج الهامة التي اتخذها «مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية» بغية تقويض الإرهاب فكرياً؛ فالبرنامج يعمل على «تعديل الأفكار الخاطئة حول بعض القضايا الشرعية، بهدف بناء مفاهيم شرعية صحيحة تستند على منهج الوسطية والاعتدال».
ولكي لا نقف كثيراً في الحرب على الإرهاب بالصور العلاجية، لعله من المهم أن نستفيد من تجربة برنامج المناصحة في أقسامه الأخرى؛ الوقائية والموجهة؛ والتي تبدو لي أكثر أهمية في ظل الشتات الفكري والصدمات الفكرية المتتالية التي أصيب بها أبناء الخليج العربي، حول بعض الجماعات الإسلامية التي كانت محل احترام وثقة، ثم تكشفت أدرانها واحدة تلو الأخرى، في وقت قصير جداً.
في مقال رأي نشر في صحيفة «ذا تلغراف» البريطانية لولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، قال «لوبدأنا بإدراك أننا في سياق حرب مع الثيوقراطيين فمن الممكن أن نباشر بوضع خطط عسكرية وسياسية واقتصادية وحتى اجتماعية للتصدي لهذا التهديد». وأرى أن استعداد سموه لوضع خطط تتصدى للإرهاب، يشكل بارقة أمل في العمل على تنقية الجسد البحريني وكذلك الخليجي من سموم الإرهاب وأفكاره المتطرفة، ولا شك في أن العزائم الخليجية لا تقل عن عزيمة سموه في الأخذ بكافة الأسباب التي من شأنها اجتثاث الإرهاب وتجفيف كافة منابعه.
مجتمعاتنا العربية تملك قوى تأثير مختلفة، لا بد من استثمارها في تنمية الوعي السياسي والديني على السواء، بصور رسمية على هيئة مؤسسات ومراكز متخصصة، أو بشكل شعبي يتم من خلاله التركيز على فئات القوى الفاعلة في المجتمعات الخليجية وعلى رأسها رجال الدين والأحزاب السياسية والتربويين، بما يؤكد على تصحيح المسار الفكري لهؤلاء، ومن ثم تهيئتهم للتأثير على الرأي العام بغية تعديل السلوك والمواقف، وقبل ذلك كله تغيير الآراء والأفكار، كما لا يقل الإعلام أهمية في لعب دور المحارب الفكري. ولطالما أننا نملك الأدوات كافة، فإنه لا ينقصنا إلا استخدامها الاستخدام الأمثل لتحقيق أهدافنا والحفاظ على أمن الخليج العربي من الداخل قبل الخارج.
- انفجار النبض..
يحدوني الأمل بأن نشهد برنامجاً خليجياً مشتركاً أو خطة استراتيجية واضحة؛ لتفعيل الدور المعطل للفكر في حل الأزمات وتنمية المجتمعات.