الرأي

الفساد الرمادي

الفساد الرمادي


يقول المثل «لا تضع حارساً جائعاً على طعام»؛ لأنه من البديهي أن الجائع سوف يسطو على طعام قومه كله إذا لم يجد له رادعاً، وسؤالي هنا؛ كم من حارس لدينا جائع خان الأمانة؟ وكم من حارس باع نفسه من أجل متاع قليل؟ وكم من حارس باع وطنه ودمه وعرضه لأجل مركز أو سلطة وكرسي زائل؟ باختصار نحن في زمن الحراس الجياع.
وللأسف الشديد هذا ما نراه منتشراً في كثير من البلدان، حيث تتنوع أشكال الفساد؛ الفساد الإداري، والمالي، والاجتماعي، والأخلاقي.. وكل عمل يتضمن سوء استخدام للمنصب أو للسلطة العامة لمصلحة خاصة ذاتية أو لجماعة أو حزب..
وقد يتلون الفساد بعدة ألوان؛ فمنه الأبيض وهو اتفاق ضمني بين الجماعة والموظفين والعاملين في الجهاز الإداري على تقبل واستحسان العمل أو التصرف المعني «يعني الكل يكون راضياً»، والفساد الأسود ويشير إلى اتفاق الجماعة والموظفين العاملين على إدانه عمل أو تصرف معين «يعني الكل غير راضٍ».
أما الفساد الرمادي؛ فهو عدم إمكانية احتسابه من النوعين السابقين، ويعود ذلك إلى غياب الاتفاق على سوء العمل والتصرف أو استحسانه من قبل الموظفين والجماعة «يعني انقسام الفريقين، الذي يجد مصلحة منه يكون راضياً والآخر رافض)، فأين نحن من هذا؟
الفســـاد يأتي بعدة أشكال؛ الرشوة، الابتــزاز، المحسوبية، المحاباة، نهب المال العام. ويرجع ذلك إلى طبيعة الشخص المسؤول؛ فالبعض يحس بالنقص في نفسه أو في مكانته الاجتماعية، فيحاول تعويض ذلك عن طريق ممارسة السلطة في غير وضعها الصحيح، فيجمع حوله الأقارب أو أبناء طائفته ليضمن بقاءه على كرسي السلطة، والبعض الآخر يمارس تعويض هذا النقص من خلال أطراف غير مقربين ولكن بنفس الأجندة خدمة لفكر معين أو لطائفة أو حتى جمعية سياسية.
قد يتساءل البعض؛ أين أموال الدولة التي ذهبت هباءً في حين كان من الممكن استغلالها في إقامة مشاريع تخدم المواطنين جميعاً وليس فئة يعينها؟ ويتساءل أيضاً عن تفشي ظاهرة المهمشين بشكل واضح في العمل؟ والتي من شأنها «تطفيش» الموظف وإحباطه وفقدانه الثقة بنفسه، حتى يصاب بإحساس الاضطهاد فيفقد شعوره بالمواطنة والانتماء.
وهناك ظاهرة يمكن تصنيفها تحت باب الفساد، وهي استيطان بعض المسؤولين في مراكز ومناصب بمؤسسات الدولة لفترات طويلة، وعدم استبدالهم بطاقات شبابية مبدعة وخلاقة، ما يؤدي إلى هجرة العقول والكفاءات، حيث لا أمل لهم بالحصول على موقع يتلاءم مع قدراتهم، ما يدفعهم مكرهين إلى البحث عن فرص حقيقية خارج الوطن.
لو تكلمنا عن آثار الفساد الاجتماعي والأخلاقي فهي كثيرة، لكنها مبطنة، وهذا سيؤدي إلى خلخلة القيم الأخلاقية وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، ومن أبرزها آثارها السلبية؛ التعصب والتطرف في الآراء وانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص.
أما الفساد الأخلاقي فللمرأة نصيب كبير منه، حيث يقوم بعض ضعاف النفوس باستغلال مناصبهم ومحاولة استغلال المرأة، وهناك الكثير من القصص التي تداولتها الكثير من الأخوات حول التحرشات من قبل المسؤولين، ولولا لقمة العيش والرغبة في الستر من «الفضايح» لما استمرت وصمدت وصدت.
أما الفساد الحقيقي والأكبر فهو الفساد الاقتصادي، الذي يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال والفشل في جذب الاستثمارات الخارجية وهدر الموارد بسب تدخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة للبلــد.