الرأي

أمن الخليج العربي و«البلطجة الدولية»

نبضات



لاشك أن الدول المنكوبة في شتائنا العربي الطويل أصبحت بيئات مشرعة الأبواب لاحتضان الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولا يخفى ما تولد عن ظهورها من أضرار فادحة قلبت المنطقة العربية رأساً على عقب، ولاشك كذلك في أن مثيرات المشكلات الأمنية لم تبلغ في مداها ما يمكن أن يهدد مصالح دول الخليج العربي الاستراتيجية واستقرارها الأمني بقدر ما فعلت المتغيرات الطارئة على المشهد الخليجي بصفة خاصة. ومع ذلك فإن المواقف الخليجية مازالت ضبابية نسبياً وبطيئة إلى حد كبير، رغم الاجتماعات الطارئة المتتالية.
يدعو ما سبق للتساؤل.. عندما يكون الخليج العربي مهدداً بشكل مباشر في خوض أزمات الفوضى الخلاقة وتحمل تبعاتها، ويكون بينه وبين المد الإرهابي قاب قوسين أو أدنى، لم لا تعمل دول الخليج العربي على خلق حالة من الارتباك في المنطقة لإعادة ترتيب الأمور؟ فتباغت المجتمع الدولي والإقليمي على السواء ببضع ضربات استباقية تؤكد من خلالها على قوتها الفعلية في المنطقة وتحسم كثيراً من الأمور العالقة بحزم.
نرصد اليوم في مشاهداتنا لمجريات الأمور تباطؤاً خليجياً في اتخاذ الحلول اللازمة قبل استفحال الأزمة، بدعوى انتظار صدور قرارات وإذن دوليين، فهل تحتاج الدول الخليجية فعلياً لإذن المنظمات الدولية في كل شاردة وواردة لاتخاذ الإجراءات التي يجب عليها اتخاذها في وقت محدد؟!
باعتقادي لو أن مصر أخذت الإذن لتوجيه ضربة عسكرية لمواقع الجماعات المتطرفة في ليبيا قبل أيام، لكانت لم تفعل شيئاً بعد؛ ولكنها فعلت! ألا يدعو هذا الأنموذج لقليل من المراجعة والتأمل من قبل دول الخليج العربية لتعمل على حماية مصالحها الاستراتيجية والأمنية بصفة طارئة دون الرجوع لبعض طغاة العالم وسادته الازدواجيين؟!
تثار الشبهات حول دول يفترض أنها تعلن وتقود حربها الشعواء على الإرهاب في العالم «الذي تريد» بكل ما تحمله من ازدواجية في المعايير؛ شبهات دعم لوجستي غير منتهية من أطراف متفرقة كل في واديه الذي اختار الهيام فيه، يغني لليلاه ويدندن على آلامنا، فيما تدق للحرب طبول وتثار للإرهاب فتن متتالية.
عندما تثار تلك الشبهات ويكشف الغطاء عن ذلك الدعم السخي، بل عن الاستثمار الخفي للاقتتال في المنطقة، بلا اكتراث للقوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية، ما الذي يردع المجتمع العربي وخصوصاً الخليجي أن يحذو حذوهم؟ أن يقرر الحد الأدنى من مصيره الأمني والحفاظ على استقرار المنطقة. إن هذه ليست توصية للخليج العربي ليمارس «البلطجة الدولية» كما فعلت دول أخرى، ولكنها دعوة لتقرير المصير بحسم وحزم هذه المرة.
إنه لمن الغرابة فعلاً أن يكون الخليج العربي حتى اللحظة منتظراً لتأييد أو رفض ما يمكنه اتخاذه من إجراءات لحماية مصالحه وأمنه، من قبل منظمة الأمم المتحدة، التي لا تعدو على كونها منظمة ركيكة هشة، مجمل ما لديها من أرصدة عضلات تفتلها على العالم الثالث والدول العربية، وقلق تبعث به في نفس أمينها العام على الدوام.
دعونا نستحضر كيف ضربت أمريكا العراق بلا إذن من مجلس الأمن الدولي، وكيف أنها تجاهلت الرفض في ما بعد، والأهم كيف أن الأمم المتحدة لم تحرك ساكناً إزاء ذلك العصيان الأمريكي السافر، دعونا نتأمل في ضعفها عن السيطرة على بشار الأسد، وأن ليس ثمة قرار واحد تصدره ضده حتى الآن رغم ما ارتكب من مجازر. من جانب آخر نقف عند الحوثيين؛ فصيل مسلح تسبب في أزمة بلد، فيما لم تقم الأمم المتحدة إلا بدعوة بائسة للحوار الذي لا يجدي نفعاً، ولا يختلف الأمر في ليبيا وغيرها، وما من حلول جذرية!!
السؤال؛ أهذا ما ننتظر منه رداً ناجعاً لحل أزماتنا؟! أولم تبد الحاجة ملحة لاتخاذ تلك الضربات الاستباقية وننحى منحى مصر في سرعة التنفيذ، إن الدعوة للضربات الاستباقية لن تقتصر على الجانب العسكري وحسب، فكلنا يعلم ما للاقتصاد من تأثير، دعونا نجرب الحلول السلمية الاقتصادية والسياسية التي نتطلع كلنا ألا نتخلى عنها إلا بعد الوصول إلى طريق مسدودة، ولكن المماطلة التي تقوم بها الأمم المتحدة لن تجدي نفعاً، بل على العكس تماماً؛ ستكون فرصة سانحة تصب في صالح المنظمات الإرهابية لأن تقوى وتنمو.
إن جل ما نتطلع إليه خليج يعمل بخيارات واضحة ومحددة، يترفع على نظام ردات الفعل ويحوله إلى مبدأ الردع والضربات الاستباقية بما يحفظ لكيانات المنطقة هيبتها ونفوذها! ذلك أنه من غير المعجز لدول المنطقة، خصوصاً دول الخليج العربي، أن تستثمر ما تملك من مقومات قوة للدفاع عن أمنها ومصالحها الاستراتيجية. إن الأسئلة العالقة لابد أن تحظى بإجابات ناجعة تسهم في إيجاد حلول جذرية لتمر لعنة الأزمات بسلام وينقضي شتاء العرب الطويل بالحد الأدنى الممكن من الضرر.