الرأي

لماذا تخلت دول الخليج عن اليمن؟

لماذا تخلت دول الخليج عن اليمن؟










كان لافتاً في العلاقات اليمنية الخليجية في الأسابيع السابقة غياب الوسيط الخليجي المتمثل في السيد عبداللطيف الزياني أو من يمثله والاكتفاء بالوسيط الدولي جمال بن عمر. والانسحاب السريع من الداخل اليمني بمغادرة البعثات الدبلوماسية الخليجية والتلويح بالعقوبات السياسية والاقتصادية على اليمن في حال عدم تنازل الحوثيين عن السلطة التي استولوا عليها بالقوة، هذه المؤشرات ربما تدل على خسارة دول الخليج لحلفائها في اليمن وافتقادها لطرف مرن تستطيع التدخل الناعم من خلاله.
خطآن استراتيجيان وقعت فيهما دول مجلس التعاون في إسهامها في حل الأزمات اليمنية؛ الأول الصيغة التي بنيت عليها المبادرة اليمنية التي يرى اليمنيون أنها أفرغت ثورتهم من محتواها بالإبقاء على جميع عناصر النظام السابق في السلطة والجيش والأمن، واستبدال الرئيس علي عبدالله صالح بنائبه وعضو حزبه عبدربه منصور هادي، ومن ثم منح صالح حصانة تتيح له البقاء في اليمن والتمتع بنفوذه والإعفاء من أي محاكمة أو مساءلة قانونية.
الخطأ الثاني هو ما يقول عنه اليمنيون تدخلاً خليجياً لإسقاط التنظيم الإخواني في اليمن باستخدام الحوثيين، ومن ثم جر اليمن بأكملها إلى السقوط تحت هيمنة الحوثيين والوصول إلى الوضع الراهن، الانقلاب على إخوان اليمن جعل دول الخليج تخسر حليفها الحزبي القوي في اليمن المتمثل في حزب الإصلاح وحليفها القبلي القوي المتمثل في قبيلة حاشد وعلى رأسهم آل الأحمر، وسيطرة الحوثيين جعلت دول الخليج تخسر حليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تخلى عن دول الخليج وتحالف مع الحوثيين، ثم أتمم الحوثيون عزل دول الخليج عن الداخل اليمني بوضع الرئيس عبدربه منصور هادي وغيره من المسؤولين اليمنيين، تحت الإقامة الجبرية، وأغلبهم يتمتعون بعلاقات جيدة مع دول الخليج.
الخطآن السابقان ربما يكونان سبب الصدمة اليمنية من الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء خارجية دول الخليج بشأن أحداث اليمن في مطار عسكري في السعودية، والخروج ببيان يشجب التغول الحوثي ويطالب الأمم المتحدة بوضع اليمن تحت البند السابع الذي يفتح كل آفاق التدخل الخارجي؛ ومنها استخدام القوة العسكرية لدحر التقدم الحوثي!.
المتتبع للمعلومات الشحيحة من داخل اليمن يجد اليمنيين، رغم الوضع الخطير الذي انحدرت إليه البلاد، يعالجون قضيتهم بمنهجية بعيدة عن العنف، وإن لم يسلم الموقف من بعض المواجهات والقتلى، غير أن طأفنة الحالة اليمنية هي طرح مرفوض وغير وارد في مناقشة اليمنيين لشأنهم، كما أن التجييش لمواجهات قبلية أو مناطقية لم يرد أيضاً. رفض الحراك الحوثي ينطلق من وجهة نظر القوى السياسية والشعبية اليمنية من كونه انقلاباً على السلطة الدستورية ويكرس لمفهوم الاستقواء واختطاف صوت الشعب، وجر البلاد نحو الفوضى وفتح المجال للتدخلات الخارجية. وتلك حوارات تستند إلى قضية التوازنات السياسية فقط.
إن قمة المأزق اليمني تتمثل في فشل النخب السياسية، وعلى رأسها الأحزاب، في الاتفاق على صيغة سياسية تخرج اليمن من الورطة التاريخية التي سقط فيها. لم تتمكن تلك النخب من الاتفاق على برنامج سياسي بديل للإعلان الدستوري الهزيل الذي وضعه الحوثيون. لم تتمكن تلك النخب من تجاوز أجنداتها الخاصة وأهدافها الضيقة للخروج بالبلد بأكمله من هاوية الانهيار التي لن تبقي ولن تذر. وحالة الكمون والسكون الآمن لن تستمر للأبد دون نهايات كارثية. ولكن أن يصل اليمنيون بأنفسهم إلى حل يتوافقون عليه منفردين أو بمشاركة عربية ودولية فهو مخرج آمن. أما أن يتم التسويغ للتدخل الخارجي فهو إيذان بتحويل اليمن إلى عراق جديد وسوريا ثانية وليبيا أخرى.
أخبار عديدة تتردد عن تدخلات أجنبية في اليمن، أنباء عن أسلحة من البحر تزود بها دول متعددة عدة مكونات يمنية، حوثية وقبلية وحزبية، مشاريع مختلفة ترد عن محاولات داعشية لاختراق اليمن وجعلها مركزاً جديداً لها. تقارير عن بارجات عسكرية فرنسية وروسية تطوف بحر العرب. فهل يستحق انقلاب سياسي داخل اليمن أن يتحول إلى مشروع حرب ثم مشروع تقسيم ومن ثم مشروع احتلال جديد؟
من جهة أخرى هل تحتمل دول الخليج انفتاح جبهة نار جديدة في حدودها الجنوبية؟ لقد اكتمل طوق النار الشمالي حول دول الخليج بتفاقم النيران في العراق وسوريا وتحول فلول داعش إلى مشروع دولة تمتلك كل مؤهلات القوة وعلى رأسها السيطرة على حقول نفطية وبيعها لتمويل دولة داعش الوليدة، ويكاد الطوق يلتحم مع الوضع الملتهب في شبه جزيرة سيناء المتاخمة لحدود فلسطين المحتلة. يقابل الضفة الغربية الضفة الشرقية التي تحرك إيران بؤر التوتر فيها في البحرين والمنطقة الشرقية. كما أن شبه الجزيرة العربية قد أصبحت مكدسة بالقواعد العسكرية على ضفاف الخليج والأرض العراقية والحدود السورية الأردنية، وربما مستقبلاً اليمن.
مازالت الحكمة هي اللاعب الرئيس داخل اليمن التي تحول دون نشوب فتنة طائفية أو قبلية أو مناطقية، والتي منعت لحد الآن المجازر وقطع الرؤوس وعمليات النزوح واللجوء، رغم توافر كل العناصر المحفزة لتدفق شلالات الدماء الجارفة في اليمن.. اليمن ذلك الجار الشقيق يستحق حكمة العرب ودعمهم وهو يخوض معركته التاريخية للخروج من حيز الدولة الفاشلة وبناء دولته المدنية التي تأخرت كثيراً. والمخاض العسير الذي تعيشه اليمن سينتهي إلى ميلاد جديد فليس من الحكمة أن يكون الخيار العاجل لاستطالة المخاض واشتداد آلامه إما التضحية بالأم أو الجنين.