الرأي

تأخير دحر «الإرهاب» مسوغ لخروج إرهاب آخر!

أبيض وأسود



تموج الأرض حولنا بالكثير من الأحداث اليومية التي تجعل الإنسان يكره مشاهدة نشرات الأخبار؛ بل أنني شخصياً لم أشاهد إلا بداية فيديو حرق الشهيد بإذن الله الطيار الأردني الكساسبة، ثم أغلقت الفيديو.
كذلك فعلت مع الأقباط المصريين، لم أشأ أن أشاهد هذه المناظر البشعة، والأبشع من المنظر في تقديري أن يوصم هذا الإرهاب المقزز والمقرف بالإسلام، والإسلام بريء من هذه الفئات الضالة المضللة، إنما نحن في آخر الزمان الذي تمر فيه الفتن كقطع الليل المظلم، كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أولاً تم تدمير العراق الذي كان بوابة للعروبة، وسلمته أمريكا لإيران، وأنتم تشاهدون كل يوم ماذا يجري هناك، دماء تسيل في كل مكان، بعد العراق جاءت سوريا، وكان مقدراً أن يحدث ذلك لمصر والبحرين، وحدث ما ترون في ليبيا، ويحدث كذلك في اليمن (فقد دخلت دول الخليج تحالف مع الغرب ضد «داعش»، وتركنا الحرب ضد الإرهاب الشيعي وحزب الشيطان) حتى سقطت صنعاء بيد الحوثيين.
هناك من يطرح أن في انقلاب الحوثيين تعجيل بهزيمتهم الأخيرة، وأن اليمن سينتفض وسيدحرهم، وهذا لا أستبعده شخصياً، لكن دول الخليج أدارت ظهرها لليمن وأعطت وجهها للغرب وتحالفت معهم ضد «داعش»، بينما كانت «داعش» من صنيعة الغرب.
الإرهاب كله ممقوت، كل التطرف من أي جهة كانت مرفوض ومحارب، غير أنني أخشى بأننا قدمنا قضية على قضية أخرى أكبر، وكان يجب أن نبدأ من اليمن ثم سوريا، التي نتفرج عليها، ثم العراق.
مقالة سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة -حفظه الله- التي نشرت في «الديلي تلغراف» البريطانية شخصت المرض بشكل واضح، كما أن سموه سلط الضوء على حقيقة الإرهاب في المنطقة، وكيف يستغل الدين من قبل الجماعات الإرهابية، إذ قال سموه: «إن جماعات إرهابية تريد التحكم في عقول الناس في الدنيا والآخرة»، وهذا يحدث في «داعش»، ويحدث من كل الجماعات الإرهابية المتطرفة الأخرى، كما أنه يحدث في البحرين أيضاً من خلال الإرهاب الذي تقوم به أذرع متطرفة لجمعيات سياسية شيعية.
مقالة سمو ولي العهد ذهبت إلى الصورة الكبيرة في المحيط الإقليمي، خاصة بعد حوادث القتل البشعة للأبرياء، وهذا يظهر أننا محاطون بفكر متطرف يتمادى ويكبر ويتوسع، ويتطلب تضافر الجهود العربية والدولية لمحاربة الإرهاب، كما أشار سمو ولي العهد في مقالته القيمة جداً.
تشغلني كمواطن الدائرة الصغيرة في واقعنا المحلي البحريني، وأحسب أن ما تفضل به سمو ولي العهد ينطبق على واقعنا المحلي أيضاً، بأن هناك جماعات إرهابية تريد التحكم بعقول الناس في الدنيا والآخرة، وهذا واقع معاش بالبحرين، لقد عانينا كثيراً من الإرهاب الشيعي المنظم المدعوم من إيران، وكمواطن بحريني أنشغل قليلاً بواقعي المحلي أكثر من الصورة الكبيرة حولنا، رغم أن الصورتين مرتبطتان ومتداخلتان، كما أننا نتأثر كثيراً بالأحداث حولنا كوننا دولة صغيرة.
تحدي الإرهاب أصبح في أغلب الدول القضية الرئيسة، وبما أني أتحدث عن واقعنا المحلي فإنني أخشى وأحذر من أمر طرحناه ذات مرة وحذرنا منه؛ وهو حين تتأخر الدولة في استئصال الإرهاب الشيعي المتطرف الذي يضرب البحرين منذ التسعينيات، فإننا قد نفتح أبواباً أخرى علينا.
الخشية اليوم أن تخرج جماعات متطرفة أخرى من جهة أخرى، وأخشى أن تفلت الأمور في ذلك الوقت، خاصة مع تدحرج كرة الثلج، حين نترك الإرهاب الشيعي دون مواجهة حقيقية، ودون تجفيف للمنابع ودون قطع ألسن المحرضين وقطع أيادي الفاعلين فإن ذلك وكأنه مسوغ لجماعات إرهابية أخرى قد تخرج وتتوالد.
من لا يرى هذه الصورة فإنه لا يرى الواقع، بالمقابل وبصراحة نحسب أنها تخدم وطننا، فإن الدولة تكون أقسى وأشد وأقوى بكثير حين تتجه لمواجهة وقمع الإرهاب لجماعات أخرى سنية، وهذا يراه الناس وكأنه أشبه بالكيل بمكيالين.
الإرهاب الذي يقتل ويستبيح الحرمات، ويقتل رجال الأمن، ويستهدف حتى المقيمين والأجانب والآمنين في الطرقات لا تتعامل الدولة معه بذات الحزم والقوة كما تتعامل مع أشخاص إرهابيين سنة.
من هنا ليس مطلوباً السكوت عن أي إرهاب، أكان هنا أو هناك أطلاقا، بل المطلوب أن تقوم الدولة اليوم، وليس غداً، بقصم ظهر الإرهاب المتطرف الذي يقتل ويدمر البلد، تأجيل ذلك وكأننا نأجل أمراً ونتركه يكبر مع الوقت، ويتوسع أكثر ويخرج عن السيطرة، ثم تأتي موجة أحداث مندفعة من الخارج فيستعصي علينا في تلك اللحظة أن نستأصل أي إرهاب محلي، سوف تخرج الأمور في تلك الساعة عن السيطرة.
نطالب بدحر كل الإرهاب وكل التطرف من أي جهة وأي جماعة وأي مذهب ودين، غير أن الإرهاب الماثل أمامنا اليوم على الأرض هو إرهاب جماعات شيعية متطرفة، والمؤسف أن الدولة تتردد في مواجهته وكسر ظهره رغم أن الظروف مواتية لذلك اليوم.
الأحداث الإقليمية تتدحرج، ونحن نصحو كل يوم ولا نعلم ماذا يحدث من أحداث جديدة قد تكون مفاجئة للجميع، من هنا فإن تعليق الملفات التي تحتاج إلى حسم هو في غير مصلحة الدولة والمجتمع.
القضاء على الإرهاب الشيعي سيكون أكبر مسوغ للدولة حتى تقضي على أي إرهاب آخر قد يخرج، والعكس صحيح، نحن وأنتم والجميع يعرف أن هناك ناراً تحت الرماد، حتى وإن كانت متبعثرة وصغيرة، لكن من الواجب أن نقضي على النار فوق السطح أولاً، قبل النار التي تحت الرماد.
الإيرانيون يقولون إن الأوضاع في البحرين مهيأة لأن يشعلون النار فيها في أي وقت، فمن الذي ترك هذه البيئة مهيأة لأن تشتعل؟
لماذا نترك بلدنا لأن تصبح فيها بيئة مهيأة للإشتعال ونحن بلد صغير ويمكن السيطرة عليه بسهولة، علينا أن نقضي على كل أشكال وبؤر الإرهاب، تجفيف المنابع، قطع ألسن المحرضين بالقانون، والوصول إلى كل الإرهابيين والخلايا النائمة، وكل مخابئ الأسلحة هو أكبر ما نحتاج إليه كمجتمع ودولة.
كل تأخير إنما هو تفخيخ لمستقبل البحرين، وهذا لا نريده أن يحدث، والواجب اليوم مع كل الأحداث المحيطة بنا أن نأخذ قراراً صارماً وحازماً نقضي فيه قدر الإمكان على الإرهاب (فوق السطح) حتى لا نعطي مسوغاً لخروج إرهاب آخر تحت السطح.
** سري للغاية..!
خلال الأحداث الإرهابية في العام 2011 تمكنت الجهات الأمنية من ضبط أنواع من الأسلحة المصنعة محلياً والتي تحاكي مثيلاتها الأمريكية أو البلجيكية، أو الأسلحة المتوسطة والقواذف، بل أن هناك أسلحة مصنعة محلياً لقواذف وراجمات بأحجام كبيرة.
كان ذلك في 2011، وأكاد أجزم أن هذا التصنيع في الورش (المحلية) ازداد أكثر في العام 2015.
السؤال هنا؛ في أي الورش تصنع هذه الأسلحة؟
من يملك هذه الورش؟
لماذا لا تصل الدولة بقوة القانون إلى كل أماكن تصنيع الأسلحة، والتي تشكل خطورة بالغة على السلم الأهلي، وعلى سلامة رجال الأمن، وعلى مستقبل البحرين؟
هذا أمر خطير للغاية، ولا يمكن ترك مثل هذه القضايا معلقة دون استئصال وحل جذري، هذه رسالتنا للدولة، التي تؤجل القرارات الحاسمة.