الرأي

إعلام يبدل نظارته

نظرات




اعتادت المؤسسات الإعلامية في مختلف دول العالم أن تعمل وفق أجندة متنوعة تتداخل فيها المصالح الاقتصادية مع المصالح السياسية، وبالتالي دور هذه المؤسسات -سواءً كانت صحافة أو تلفازً أو إذاعة- أن تؤثر في اتجاهات الرأي العام تجاه مختلف القضايا بما يخدم مصلحتها بالدرجة الأولى على ألا تخرج عن إطار المصلحة الوطنية الجامعة.
الهامش الأوسع في حريات التعبير عن الرأي الذي أتاحته شبكات التواصل الاجتماعي منذ نحو من الزمن، قادنا إلى فوضى من الحرية الإعلامية نشهدها اليوم بشكل واضح وعلى مدار الساعة. وهو بلاشك تحد جديد يلقي بظلاله على النشاط الإعلامي بشتى صوره.
في ظل هذه الفوضى، يظهر سؤال جوهري؛ هل يحق للمؤسسات الإعلامية تغيير «النظارة» التي تقدمها للجمهور، ونقصد فيها السياسة التحريرية التي من خلالها يتحدد الإطار العام للتغطية الإعلامية في المؤسسة نفسها، ويظهر المحتوى الإعلامي المتنوع ليراه أو يقرأه الجمهور ويشكل قناعاته بنفسه، ويشكل صوره النمطية المختلفة؟
في عهد ما قبل شبكات التواصل الاجتماعي كان بمقدور الحكومات، والمؤسسات الإعلامية نفسها حجب ما تراه غير مناسب عن الجمهور لأنه لا يتفق مع أجندتها، ولا يتفق مع سياساتها. ولكن في عهد ما بعد شبكات التواصل الاجتماعي بات الوضع مختلفاً بالقدرة التي تملكها المؤسسات والحكومات باتت غائبة إن لم تكن معدومة.
ومع ذلك فإن الفرصة متاحة للمؤسسات الإعلامية لاستبدال رؤيتها تجاه العديد من القضايا التي اعتادت أن ترى من خلالها هذه القضايا، وتمارس نشاطها الإعلامي بإطار معين، وفي ضوء هذه الفرصة يتحتم على المؤسسات الإعلامية تجاه تجاوز أطرها التقليدية، والانتقال لأطر أخرى أكثر ابتكاراً بحيث تتم عملية تشكيل الرأي العام بشكل مختلف.
مثال على هذا التحول، حادثتان ظهرتا قبل أيام وشهور قليلة في الولايات المتحدة؛ الأولى تتعلق بجريمة إرهابية راح ضحيتها مجموعة من المسلمين الشبان والذين لم يكترث لهم أحد من المؤسسات الإعلامية الأمريكية، والرأي العام الأمريكي. والثانية الصراع العنصري المكبوت في مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد مقتل شاب أسود على يد رجل شرطة، والمواجهة العنيفة من قبل رجال الأمن باستخدام القوة المفرطة.
هاتان الحادثتان بينتا أنه لا يمكن الاستمرار في طرح معايير حقوق الإنسان ومعايير الحرب على الإرهاب إعلامياً في الوقت الذي تعاني فيه حكومات ومجتمعات أخرى من هذه الآفات. وبالتالي التعاطي الإعلامي هنا يتغير ويصبح مختلفاً لأنه يتحتم على المؤسسات الكشف عن أوجه أخرى من القضايا قيد المعالجة والطرح. والسكوت عنها يعني أنها ستظهر بصورة أو بأخرى في شبكات التواصل الاجتماعي بسرعة وقوة تأثير.
تبديل طريقة التعاطي الإعلامي بات سمة جديدة من سمات مرحلة ما بعد شبكات التواصل الاجتماعي، والاستمرار في الطريقة السابقة التقليدية يعني استمرار الانخداع الذاتي قبل خداع الآخرين.