الرأي

من بغداد إلى صنعاء.. «الحواسم» تنهض من جديد

شرق وغرب




قليلون هم الذين يعرفون معنى كلمة «الحواسم» اصطلاحاً وليس لغة، فهذه الكلمة اختارها العراق اسماً لمعركته الأخيرة مع أمريكا وحلفائها عام 2003 والتي انتهت باحتلاله وتدميره بالكامل، لكن اسم المعركة التي لم تدم طويلاً لم يعلق بذاكرة الناس كونه عنواناً لمعركة، وعلق بأذهانهم باعتبار ما أفرزته هذه المعركة على أرض الواقع، فسرعان ما انتقل الاسم إلى أعمال السلب والنهب التي طالت الدوائر والمؤسسات الحكومية بعدما فتح الجنود الأمريكان أبوابها على مصراعيها للصوص وحثالة المجتمع ليحملوا منها ما اشتهت أنفسهم، بعدما سرق الأمريكان قبلهم كل ما يعنيهم من هذه البنايات، فأصبح السراق الذين ظهرت عليهم علامات النعمة فجأة يطلق عليهم اسم «حواسم» والسيارات والأثاث وكل ما نهب يسمى «حواسم أو محوسم».
لكن أحداً لم يسأل نفسه لماذا حصل ذلك في بلد عمر حضارته سبعة آلاف سنة، علم البشرية الكتابة وانطلقت منه أول القوانين التي وضعها البشر، ليُتهم العراقيون ظلماً بأنهم همج ولصوص؛ ولم يحصل ذلك في أفغانستان التي فعل فيها الأمريكان الشيء نفسه قبل غزو العراق بسنتين، فرفض الأفغان سرقة مؤسسات بلدهم التي فتح الجيش الأمريكي أبوابها أيضاً، مع أن العراق يسبق أفغانستان في الحياة المدنية بمراحل كبيرة؟
الجواب لمن لم يلتقطه أول مرة في حينها، هو أن هذه العمليات لم تكن عبثية كما صورها الإعلام وكانت منظمة سبق الإعداد لها ونفذتها عصابات دخلت العراق مع الجيش الأمريكي ليلتحق بها بعد أولئك الحثالة والجهلة المتخلفون وضعاف النفوس والحاقدين، هذه العصابات محركها وراسم أهدافها إيران، ومن يقرأ التاريخ القريب والحاضر يتأكد له صحة هذا الأمر، ففي عام 1991 عاثت إيران بجنوب العراق وحصل السلب والنهب ذاته، أما شاهد الحاضر اليوم في اليمن التي سيطر عليها الحوثيون أتباع إيران وقد فعلوا الشيء نفسه أيضاً، فكلنا يتذكر ما حصل قبل أسابيع عندما «حوسموا» جامعة الإيمان وسلبوها ومحتوياتها بالكامل، وهاهم اليوم «يحوسمون» محتويات السفارة الأمريكية وسياراتها العشرين، لتقول إيران لأمريكا حتى أنتم يا من تقدمون لنا التسهيلات لن تسلموا من النهب، بل ذهبوا أبعد من ذلك عندما نهبوا أسلحة جنود مشاة البحرية الأمريكية الشخصية، بعدما انتهى الجنود من إتلاف وحرق وثائق السفارة وأسلحتها.
إيران تفعل ذلك عن قصد ووعي فهي، وإن كان الحوثيون أتباعها في اليمن والشيعة في العراق ولاؤهم لها بالكامل، إلا أنهم في النهاية عرب، يحملها حقدها الدفين على تحقيق أمرين فيهم الأول إظهار العربي دوماً بصورة الهمجي المتخلف الذي يحرق ويخرب كل شيء حوله حتى أمواله، والثاني إذلال هذا الشعب وتخريب بلاده واحتقاره من العالم وحتى من الإيرانيين أنفسهم. فهل سيصحى الموالون لإيران في الدول العربية وينتبهون لحالهم؟ أشك في ذلك.