الرأي

لا تحكم على أحد

بنادر














من العادات السيئة التي تعود عليها ضعاف النفوس من البشر؛ الحكم المسبق والنهائي على خبر ما أو شخص ما أو حدث ما، دون التوقف
لعدة ثواني والانتظار القصير لمعرفة طبيعة هذا الخبر أو إثارة الأسئلة حوله، حيث إن السؤال هو ضالة الإنسان الحكيم، دون التسرع في الحكم المسبق والذي جزء من برمجة عقل الإنسان، سواء كانت هذه البرمجة من الإنسان ذاته أو من خلال المحيط الذي ينتمي إليه.
الكثير من مثل هذه العادات التي لا تمت إلى الوعي بصلة، حدثت ومازالت تحدث يومياً، ونحن نمارسها كأنها جزء من فهمنا لطبيعة هذه الأمور، وجزء من تصورنا بأننا ننقل الحقيقية، وكل الحقيقة، بالرغم من أننا لو تأملنا الخبر أو الحدث أو طبيعة الشخص بصورة شبه واعية أو متسائلة، لعرفنا أن هناك ثمة احتمالات للخطأ في حكمنا، ولتوقفنا عن نشر ما نظنه صحيحاً.
من المعروف لدينا أن لكل خبر وجهات نظر متعددة، حتى ولو كان هذا الخبر كاملاً من جميع جوانبه، فلا يمكن للشخص الواحد، صاحب الأحكام المسبقة، أن يعرف كل شيء عن هذا الخبر أو الحدث أو الشخص، وكلنا مرت عليه جملة «يا ما في الحبس من مظاليم»، بمعنى أنهم سجنوا طويلاً بسبب تهم غير صحيحة.
وكلنا، في أي منطقة من العالم، عانينا ونعاني من اتهامات باطلة، صدقها البعض لأنهم يريدون أن يصدقوها لا أكثر من هذا، ولهذا تراهم يضيفون إلى التهمة تهماً أخرى.
وبهذا تستحضرني أحد الحكايات التي قرأتها فيما مضى، وتقول الحكاية..
سأل المعلم طالب الصف الأول: «لو أعطيتك تفاحة وتفاحة وتفاحة، كم يصبح عدد التفاحات لديك؟»
أجاب الطالب بثقة: «أربع تفاحات!».
كرر المعلم السؤال ظناً منه أن الطفل لم يسمعه جيداً..
فكر الطفل قليلاً وأعاد الحساب على يديه الصغيرتين باحثاً عن إجابة أخرى، ولكنه لم يجد سوى نفس الإجابة، فأجاب بتردد هذه المرة:»أربعة!».
ظهر الإحباط على وجه المعلم، ولكنه لم ييأس، فسأله هذه المرة عن البرتقال، حيث إنه يعلم بـحب الطالب للبرتقال، قـال: «لو أعطيتك برتقالة وبرتقالة وبرتقالة، كم يصبح عدد البرتقالات معك؟».
أجاب الطفل: «ثلاث برتقالات..».
فتشجع المعلم وسأله مجدداً عن التفاحات، فأجاب مجدداً: «أربع تفاحات!».
عندها صرخ بوجهه: «ولكن ما الفرق؟!».
فأجاب الطفل بصوت الخائف: «لأنني أحمل واحدة معي في الحقيبة!».
يقول ناقل القصة أو صاحب الحكاية؛ عندما يعطيك أحدهم إجابة تختلف عما تتوقعه فلا تحكم على أنها إجابة خاطئة، لربما كانت هناك زاوية لم تأخذها بعين الاعتبار، يـجب عليك أن تصغي جيداً كي تفهم، وألا تصغي وأنت تحمل فكرة أو انطباعاً معداً مسبقاً.
خلاصة قولي هو أن في الخبر السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي، عليك ألا تصدق كل ما يقال عن شخص ما، فقد يكون ناقل الخبر يكره هذا أو ذاك من الناس، لذلك من السهل أن يتقول عليه ما ليس فيه، أو يطلق على لسانه كلاماً لم يقله.
لا تحاول أبداً أن تحكم على شيء دون التوقف والتساؤل، لا تتهم شخصاً لأن هناك من يكره هذا الشخص ويبحث عن مؤيدين له لازدراء هذا الشخص، فما أكثر ما نطلق على هذا أو ذاك من البشر بأنه منافق ونحن لا نعرف طبيعة الأمور وحقيقتها.
لا تتكلم على الآخرين وإن شجعك البعض على ذلك، ثق بأن كل ما تقول سيعود عليك أكثر مما تتوقع، ليس في اليوم الآخر فحسب، إنما في حياتك التي نحيا.
لا تطلق الأحكام المسبقة على آخرين، وإلا ستكون أنت أول من يحترق بهذه الأحكام، فمن حفر حفرة لأخيه الإنسان هو من سيقع فيها.