الرأي

فيديو حرق الطيار بالماركة الخطأ

شرق وغرب



ما لم يستطع تحقيقه عشرات الممثلين خلال سنوات طويلة من الاستهزاء والسخرية بالمسلمين بقصد إلصاق تهمة الإرهاب بهم عبر مسرحيات ومسلسلات وأفلام عدة؛ تمكن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» من تحقيقه بفيديو واحد لم يتجاوز دقائق معدودة بعدما وضع عليه «الماركة» الخطأ.
حاول التنظيم ومن خلال الفيديو الذي نشره إيصال رسالة تبين أن عملية إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة بالحرق والهدم كانت تحت رعاية ابن تيمية رحمه الله، ذلك عندما نقلوا كلاماً له في رسالة ظهرت على الشاشة أثناء إحراق الطيار جاء فيها «فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع»، فكانت هذه الرسالة بمثابة الماركة التي وضعت على الفيديو لتنسب أصل العمل إلى الفكر الإسلامي لا إلى التنظيم، لكنها كانت «الماركة» الخطأ، أو لنقل أنها «ماركة» وضعت على المنتج الخطأ، فكلام ابن تيمية كان عن قضية أخرى خلافية فيها أكثر من قول، وقوله أحد هذه الأقوال، أما القضية فتخص التمثيل بجثث الكفار الذي مثلوا بجثث المسلمين وقتلوا في المعركة، لا عن أسرى وطريقة تصفيتهم، ومع ذلك وضعوه على الفيديو كدليل وأصل شرعي على فعلهم، وهذا إخراج للفتوى عن سياقها.
نتيجة إلصاق هذه «الماركة» بالفيديو أدخلت العالم في جدل حول علاقة الإسلام بأعمال تصل إلى حد القتل حرقاً، بل نقلت هذا الجدل إلى داخل المجتمع الإسلامي ليتهم الإسلام بالإرهاب من أبنائه خطأً، مع أن الشواهد التاريخية كلها تؤكد على أن هذا العمل وقع في التاريخ أكثر من مرة، لكن على يد غير المسلمين أو أتباع الحركات الباطنية التي تنسب للإسلام حتى في التاريخ الحديث، وما فعلته داعش وأطرته بهذا الإخراج السينمائي ما هو إلا عملية نقل هذا الفعل من الآخر وإلصاقها بالمسلمين، فلن يتكلم العالم بعد هذه العملية عن عمليات الحرق التي فعلها الجيش الأمريكي في العراق، ولن تذكر حوادث الحرق الكثيرة التي ارتكبتها الميليشيات الشيعية في العراق أيضاً، وسينسى الناس حرق الصهاينة للطفل محمد أبوخضير في فلسطين، لأن كل تلك العمليات لم تصور بالجودة التي صور بها فيديو حرق الطيار.
من الواضح جداً أن وضع كلام ابن تيمية على الفيديو اختير بعناية وقصد ولم يأت بطريق الخطأ، فقادة الغرب حرصوا في كل عملية مسلحة تضرب بلادهم أو بلاد المسلمين على التصريح بأن الإسلام بريء من الإرهاب وأن هذه أعمال متطرفين، بينما إعلامهم كان يصف الإسلام بالإرهاب، هذه المرة جعلوا كثيراً من المسلمين يصفون دينهم بالإرهاب وحققوا ما يريدون دون أن ينطقوا بشيء.