الرأي

البحث في المكان الخطأ

بنادر



دأب الكثيرون منا بالبحث عن نجاحاتهم وأحلامهم وسعادتهم وتحقيق طموحاتهم في أماكن أخرى غير الأماكن المفترض البحث فيها، هناك من يبحث عنها في بلاد غير بلاده، أو يبحث عنها في أهل غير أهله وقوم غير قومه.
وقد تذكرت ذلك بعد أضعت مكان سيارتي في أحد المواقف العامة، والذي من المفترض أن أكون منتبهاً لها بعد وصولي إلى هذا العمر والمرور بعشرات التجارب الحياتية التي عشتها.
بينما كنت ألبي دعوة غذاء كريمة من أحد الأصدقاء العظماء في ضاحية السيف، وهو الدكتور محمد نعمان جلال، وكنت كالعادة أقوم بالذهاب إلى الموعد قبل وقت مناسب، واضعاً في بالي مجموعة من الأمور التي قد تؤخرني عن الوصول إلى الموعد في الوقت المحدد ركنت سيارتي في أحد مواقف السيف، ممنياً نفسي بالاستفادة من أحاديث هذا الصديق العلامة في مجال عمله وتجاربه الحياتية وأسفاره في أصقاع العالم.
دخلت مبنى السيف وسألت فتاة الاستقبال عن المطعم، أشارت لي بيدها إلى المكان الذي أريده في الطابق الثاني، كان كشك الكتب في طريقي، ولأن الكتب مغرية وقفت أتطلع إلى بعض العناوين، والتي من الممكن أن تغريني لشراء أحدها، وأنا منشغل بالنظر إلى العناوين تذكرت أني قد أحضرت معي مجموعة من كتبي لإهدائها للدكتور، تطلعت إلى عقارب ساعتي وجدت أن هناك مساحة من الوقت أستطيع أن استثمرها في الذهاب إلى السيارة وإحضار الكتب.
وبالفعل تركت كشك المكتبة وتوجهت إلى موقف السيارات، بحثت عن السيارة في الموقف الذي ظننت إنني ركنتها فيه، وقد كنت أعرف كيفية صفي للسيارة وموقعها الواضح بين السيارات، بحثت ولكني لم أجد السيارة، ذهبت نحو المربع الثاني والثالث والرابع ولم تكن موجودة، وقلت في نفسي هل سرقت السيارة؟ ولكن لا يوجد ما يغري لسرقتها، وهناك عشرات أفضل منها مئات المرات موجودة معها وبالقرب منها، ضغطت على مفتاح السيارة ليضيء نورها ولكن لم يتحرك شيئاً، هل يعقل هذا؟
نظرت إلى ساعتي ورأيت أن وقت الموعد قد اقترب، وهذا يعني أن أتحرك للوصول في الوقت المضروب بيننا، وأقوم بتأجيل إهداء الكتب بعد خروجنا، وحتماً سأجدها.
التقيت بالدكتور نعمان وصديقه الجميل وتحدثنا في الكثير من الأمور الثقافية والفكرية والحياتية، فأنت في حضور علامة كالدكتور محمد جلال نعمان، لا بد أن تستفيد من أحاديثه الشيقة المغمورة بالمحبة والطيبة والتسامح والرغبة في تقديم الخير للأرض ومن يسكن عليها، دون مقابل، سوى أن تقوم بواجبك الذي خلقت لكي تقوم بأدائه. بعد الانتهاء من وجبة الغذاء الدسمة بالأحاديث الشيقة، كل منا ذهب في جانب مختلف، قلت لنفسي الكتب محددة له، وسأهديها له في وقت آخر.
خرجت للبحث عن السيارة، وجرت معي نفس عملية البحث السابقة مرة، مرتين، ثلاث ولم أجدها، ثم تذكرت أني وضعتها في مستطيل موقف آخر غير المستطيل الذي أبحث فيه عن سيارتي، وبالفعل ذهبت ووجدت السيارة في مكانها الذي وضعتها فيه.
في الواقع أنني لم أتضايق من هذا الموضوع، لأنني وجدت فيه أحد القضايا المهمة في حياتنا، وهو عملية البحث في المكان الخطأ، على جميع المستويات، بالضبط مثل عملية البحث عن اللؤلؤ في الصحراء.
البحث في المكان هو ما يؤخر الإنسان عن تحقيق أحلامه، من هنا أقول؛ ابحث في المكان المناسب ولن تضيع دربك كما أضعت مكان سيارتي.