الرأي

مسؤوليتان على الحكومة والنواب

أبيض وأسود







ما يجري اليوم بين الحكومة والنواب في موضوع برنامج عمل الحكومة إنما هو في حقيقته يشبه المفاوضات، النواب يريدون أخذ أكثر ما يستطيعون من الحكومة، وهذا في اللعبة السياسية وفي الديمقراطيات أمر طبيعي، خاصة أن أي نائب يريد أن يقول لناخبيه: «إنني أنا الذي جئت لكم بهذه المكاسب».
ما جاء على لسان وزير الإعلام، عيسى الحمادي، بأن الحكومة استجابت لـ 40 طلباً مقدماً من مجلس النواب يعتبر تقدماً وإنجازاً ليس للنواب والحكومة فحسب؛ بل هو بإذن الله لأهل البحرين، خاصة إذا كانت الأربعون نقطة تصب في مصلحة أهل البحرين.
من حق النواب أن يطالبوا بما يرونه أنه من صميم احتياجات الناس كونهم مجلساً تشريعياً منتخباً، هذا لا نقاش فيه، ومن حق الحكومة بالمقابل أن تقول رأيها وموقفها كون الطلبات تشكل في حقيقتها أرقاماً إضافية في الميزانية في وقت حرج من انخفاض أسعار النفط.
غير أن من المهم جداً اليوم أن نقول رأياً مع كل هذا الأخذ والرد بين النواب والحكومة، وهذا الرأي هو في صلب موضوع طلبات النواب، وتكلفتها على الحكومة كون الحكومة هي السلطة التنفيذية (وهذا يعني أن النواب أيضاً سيحاسبون الحكومة إن لم تفي بوعودها في الإنجاز، لذلك لا يمكن أن تعد الحكومة بشيء لا تستطيع تنفيذه، حتى لا تحاسب على وعدها).
لو افترضنا أن صاحب مؤسسة صغيرة يريد التوسع في أعماله، وهو يعلم حجم مدخوله اليومي وحجم مصروفاته، هل يمكن له أن يتوسع دون أن يضمن مدخولاً يحقق له التوسع بنجاح، دون أن يخسر مؤسسته بعد حين؟
لا يمكن له ذلك، هذا مجرد مثل، من هنا فإن طلبات السادة النواب حتى وإن كانت تصب في مصلحة المواطنين، أليس من الواجب أيضاً أن يضع النواب مقترحات وبرنامج وخطوات تؤدي إلى تنمية مداخيل الدولة حتى يتسنى الوفاء بالالتزامات المالية لهذه الطلبات، أو على الأقل على سبيل الضغط..!
بمعنى نحن جميعاً مع تحقيق مستوى معيشي أفضل للناس، وندعو دائماً للرقابة على الإنفاق الحكومي في الوزارات التي تشكل ميزانياتها الملايين، وعلى تقليص المصروفات المتكررة ومحاربة الفساد، ووضع المبالغ المليونية في مكانها الصحيح، والرقابة على صرفها، نحن مع ذلك وكتبنا مراراً وتكراراً في هذا الموضوع.
إلا أن كل من يريد أن يزيد إنفاق الحكومة على المشاريع الحيوية والكبيرة يجب أن يقترح أيضاً، ولو من باب الاقتراح أو التشريع كون المجلس يملك الاختصاص بذلك، مشاريع تدر دخلاً على الميزانية العامة وتطور مداخيل الدولة وتفتح آفاقاً أرحب في الاعتماد على إيرادات غير نفطية في الميزانية العامة، وبالتالي ستتقلص مديونية الدولة.
كاتب السطور أول المطالبين بتحسين المعيشة للناس ولن نتراجع عن ذلك، غير أننا كدولة وكمجلس تشريعي أمضى 12 عاماً عجزنا عن وضع تشريعات وسياسات واقتراح مشروعات يمكنها أن تحقق مداخيل على الميزانية العامة وعلى الاقتصاد الوطني، حتى نستطيع أن نفي باحتياجات الناس.
نسألكم كطرفين (الحكومة والنواب)؛ هل نحن دولة خدمات (لكن بمطار أقل بكثير من مطارات كل الدول التي تجاورنا وربما مُتخلف)؟
هل نحن دولة سياحية تقوم على تحقيق عائدات كبيرة من السياحة والمعارض مما يحقق مداخيل كبيرة للدولة ولكل أوجه الأعمال؟
هل نحن دولة سياحة علاجية؟
هل نحن دولة سياحة رياضية؟
هل نحن مركز تعليمي متقدم يستقطب أبناء الخليج (خاصة بعد فضائح الجامعات عندنا)؟
هل نحن دولة (سياحة بحرية) كون الدولة تتكون من مجموعة جزر؟
هل نحن دولة تقوم على التجارة البينية والتجارة الحرة والتجارة العابرة، حتى تصبح مداخيل الدولة من الجمارك هي صاحبة الاعتماد الأول قبل النفط، كما في دبي التي تأتي فيها عائدات الجمارك كأول مدخول رئيس للإمارة؟
هل نحن دولة صناعة وإنتاجية واستيراد وتصدير؟
والله لا نعلم؛ يبدو أننا أردنا أن نمسك كل هذه الخيوط مجتمعة، فضيعناها جميعها، أخشى ذلك..!
الدولة تعلم أكثر من أي أحد كم أنفقت من ملايين على فعاليات الثقافة (مثلاً)، لكن قولوا لنا ما هو المردود على الميزانية العامة بعد هذه الملايين؟
وهل هذه الملايين من ميزانية الدولة أو من مكان آخر؟
يقول أحد المطلعين على الأمور أن حفلة واحدة في المسرح الوطني (المحرم على البحرينيين صعوده) تكلف 200 ألف دينار، هل هذا معقول ومقبول؟ والمصيبة أيضاً أن «الثقافة» تمنع تصوير تلفزيون البحرين للحفلات..!
إذا فعلت ذلك دولة مثل الإمارات أو قطر فلهما العذر، أما نحن فلا يجب أن نقيم هذه الحفلات دون عائد على الدولة والميزانية العامة.
(لو محمد عبدو وكاظم الساهر ومريام فارس كان تمشي الأمور، وتكون مقبولة كونها ستستقطب جمهوراً من الخليج)..!
فقط أضرب أمثله ولا استقصي كل المشهد العام، لذلك هذه المسؤولية تقع على الطرفين الحكومة والنواب قبل أن تحتدم المواجهة، والتي هي ليست في صالح أهل البحرين أولاً، فسوف تتأخر المشاريع وتتأخر الميزانية، والوقت بالنسبة لنا في البحرين جد حاسم، ذلك أننا تأخرنا كثيراً عن ركب التنمية، كما أن مجلس النواب يبدو أنه نسي تقرير الرقابة المالية.
المسؤوليتان هما أن على الدولة تقليص الإنفاق في أماكن كثيرة خاطئة، وأن تجري مراجعات شاملة وصارمة لذلك، وأن تحاسب الوزراء على كل فلس ينفقونه كمصروفات متكررة في غير مكانها أو على المشاريع، لا نريد في نهاية كل عام فضائح (متلتلة) في تقرير الرقابة المالية.
على السادة النواب أن يمارسوا حقهم الدستوري في اقتراح وتشريع قوانين تزيد مداخيل الدولة وتفتح آفاقاً واسعة في الميزانية العامة، فالنائب حين يجلس ويملي طلبات على الحكومة (وكأنه في زيارة لمطعم لطلب الوجبات) إنما هو يطلب أموراً تحتاج إلى مداخيل وإنفاق وميزانيات، فكل طلب سيشكل إنفاقاً أكبر في الميزانية العامة، وإذا قال النواب إن الطلبات لا تشكل إنفاقاً إضافياً فعليهم أن يعطونا أمثلة في كيفية تحقيق ذلك.
أخشى عليكم يا سادة يا نواب أن تقوموا أنتم أنفسكم «بشطب» طلبات تقدمتم بها في برنامج عمل الحكومة حين يأتي إقرار مشروع الميزانية العامة، أو أن يحدث في ذلك الحين انقسام كبير بالمجلس، بمعنى قد تظهر للسادة النواب (في ذلك الحين) طلباتهم على «هيئة أرقام» وهذا يعني زيادة في الدين العام وزيادة في الإنفاق وفي الاقتراض.
من هنا فإن من يقدم طلبات يحتاجها المواطن يجب عليه وهو يجلس على مقعد المجلس التشريعي أن يعطي بدائل، حتى وإن كانت هذه البدائل من صميم عمل السلطة التنفيذية، إلا أن المجلس المنتخب كما له سلطة تقديم الطلبات، لديه سلطة اقتراح وتشريع تدر مداخيل وإيرادات على الميزانية العامة حتى تتساوى كفتا الطلبات مع الإيرادات، وحتى يصبح هناك مسوغ لتقديم طلبات جديدة.
بعبارة مبسطة.. (حين لا يكون في جيبي شيء، فإني لا أستطيع أن أعطيك)..!
الوصول لمرحلة المواجهة بين النواب والحكومة ربما لا تستبعد اليوم في ظل المشهد الذي أمامنا، لكن من المتضرر من ذلك إن حدث؟
وهل سيدفع النواب أنفسهم ثمن بعض التعنت؟
بمعنى أنه إذا وصلت الأمور لطريق مسدود في برنامج عمل الحكومة؛ فمن سيكون الخاسر؟
** مجرد أسئلة
كم يقدر مدخول مطار دبي سنوياً على إمارة دبي؟
كم يقدر مدخول مطار أبو ظبي سنوياً على حكومة أبو ظبي؟
أين هو مطارنا نحن؟
كم تجني السياحة العلاجية من مداخيل على الميزانية وعلى كل الاقتصاد الأردني؟
كم تجني الدولة المغربية من المداخيل بسبب السواحل المفتوحة وبسبب وجود بنية تحتية للسياحة؟
كم تجني السياحة بكل أنواعها على حكومة تركيا؟
كم يجني مطار أتاتورك من مداخيل على الحكومة؟
هل لدينا مشاريع سياحية عملاقة تجذب السائح الخليجي غير مجمع تجاري واحد؟
أين النواب والحكومة من هذا الأمر الذي سيرفد كل أوجه الاقتصاد والتجارة..؟
** طيران الخليج والمنتخب!
مسؤول بطيران الخليج قال هذا العام ستصل الشركة إلى نقطة (التعادل) مع مصروفاتها التشغيلية، نقطة التعادل؟
مادري ليش طيران الخليج تذكرني بالمنتخب، نحمد ربنا إذا صار تعادل..!!