الرأي

إيران المثخنة بالتناقضات

قطرة وقت


إيران التي تدعم جمعية الوفاق والجماعات التي تعتبر نفسها معارضة وتدعم كل من يقف ضد الحكومة هنا وفي أماكن عديدة من العالم بحجة مساندة الحريات، وترفع الكثير من الشعارات الثورية التي أدت إلى إغراق اليمن الشقيق في المشكلات، حتى صارت قاب قوسين أو أدنى من الحرب الأهلية الشاملة، إيران هذه تقوم بين الحين والحين -كما في بعض الأخبار المصحوبة بالصور- بإزالة وتحطيم الأطباق اللاقطة «الدشات» الجالبة للفضائيات والبرامج الممنوعة، كما فعلت أخيراً، حسب ما نشر في بعض المواقع الإلكترونية، في محافظة فارس، حيث قيل إنها حطمت ستة آلاف طبق كي تمنع السكان هناك من مشاهدة الفضائيات التي تعتبرها ممنوعة كي تجبرهم على مشاهدة القنوات والبرامج التي تعتبر مشاهدتهم لها واجباً وطنياً ودينياً وتعبيراً عن الولاء، فلا يجوز للمواطن الإيراني مشاهدة إلا ما يتم السماح بمشاهدته بعد إقراره من قبل أصحاب القرار.
تناقض يضاف إلى السلسلة المثخنة بتناقضات هذه الدولة التي تعطيك من طرف اللسان حلاوة، لكنها لا تترجم كلامها إلى عمل وسرعان ما تخونه وتخونك. إيران التي تستضيف يومياً مجموعة من الراغبين في توجيه الشتائم للبحرين عبر فضائياتها السوسة، خصوصاً فضائية «العالم»، التي تبث على الهواء مباشرة برنامجاً من يتابعه يعتقد أن هذه البلاد هي أم الحريات والمدافع الأول عن حقوق الإنسان، هذه الـ»إيران» التي ترفع الشعارات الرنانة وتظهر نفسها على أنها مساندة لكل من يسعى إلى الحريات ويرفع رايتها وكل من ينصب نفسه مدافعاً عن حقوق الإنسان، والتي توجه أشد النقد إلى كل دولة وكل جهة لا تقول بما تقول هي به، تناقض نفسها بالتضييق على حريات مواطنيها وتمنعهم لا من توجيه النقد لمن تعتبرهم خطاً أحمر فقط، وهم كثر، ولكن تمنعهم حتى من مشاهدة الفضائيات والبرامج التي يحبون مشاهدتها وتفرض عليهم بدلاً عن ذلك مشاهدة برامج معينة وفضائيات معينة، فتقوم بإزالة الأطباق اللاقطة المثبتة على أسطح منازلهم بحجج عديدة مثل مخالفتها للقانون أو عدم حصول أصحابها على تصريح، وما إلى ذلك من حجج لا تثبت أمام الواقع ولا ينتج عنها إلا صور مناقضة للشعارات التي ترفعها.
ربما ليس مناسباً اتخاذ موضوع منع الرجال الذين يرتدون البدلات «الغربية» من ربطات العنق مثالاً للتضييق على الحريات وفرض ما يريده من بيده القرار، فهذا أمر جرى وصار الخروج «حاسراً» من غير ربطة عنق جزءاً من ثقافة المجتمع الإيراني الذي كان منفتحاً في يوم من الأيام ويرتدي رجاله ربطات العنق الأنيقة، لكن بالتأكيد من المناسب الإشارة إلى التناقض الذي تعيشه هذه البلاد ليس في الممارسات التي تناقض الشعارات المرفوعة فقط؛ ولكن حتى في علاقاتها مع الغرب الذي تسبه ليل نهار وتكيل له في كل لحظة كمية من الاتهامات، فمن يتابع ما يجري من اجتماعات لا تتوقف بين إيران ودول الغرب -سواء فيما يخص الملف النووي الإيراني أو غير هذا من أمور- سيلاحظ حجم التناقض بين ما تقوله عن الغرب وما يتم الاتفاق عليه سراً ويمرر من تحت الطاولة.
الخوف كل الخوف أن تتمكن إيران من إلهاء الناس في كل مكان بكمية الشعارات الرنانة التي ترفعها والتصريحات المثيرة التي لا تتوقف ضد الغرب وكل من تعتبره على علاقة به ثم تفاجئهم باتفاقات تؤدي إلى تسيدها على المنطقة أو حتى احتلال دول الخليج العربي كلها دفعة واحدة.
المتحمسون لهذا التحليل لا يستبعدون حدوث شيء من هذا القبيل، حيث الغرب لا يهمه سوى مصلحته، ومن السهل أن تصير مصلحته مع دولة تعرف كيف ترفع الشعارات البراقة وتنفذ ما يريده منها في السر.