الرأي

السياحة الجهادية

رؤى



يتنقلون بين ربوع أوطانهم لنشر الرعب والفوضى والخراب باسم الدين، ولأن دعواتهم الجهادية تنبع من فكرة نشر الإسلام والقضاء على الكفر، كان لزاماً عليهم تحت ذريعة الواجب الشرعي أن يسيحوا في الأرض وفي كل البلدان لتطبيق شرع الله، حتى ولو كان ما يدعون إليه فعلياً هو شرع الشيطان.
من هذا المنطلق العقائدي والديني والفقهي؛ ترك الملايين من الشباب المسلم أوطانهم وأسرهم ومدارسهم وجامعاتهم وأماكن عملهم، متجهين إلى كافة القارات لتنفيذ ما في مخيلاتهم العقائدية من خرافات وأوهام، كان من أبرزها ما يسمونه زوراً وبهتاناً «الجهاد في سبيل الله» للقضاء على الكفرة والفجرة، وذلك بتحريض من بعض الدعاة ومشايخ الدين من الغلاة، حتى قضى الكثير من شبابنا المسلم صرعى هناك، إما في مدارس للأطفال أو في مقاه أو أسواق أو قطارات.
لا يهمهم طريقة الموت، ولا كيف يقضون في التفجيرات، ولا يهمهم كيف سيخسر الإسلام وكم سيربح من ممارساتهم المتوحشة، فهم يملكون رؤى وأفكاراً مقدسة يجب أن تتحقق ولو بالطريقة المميتة والوقحة، فما تلقوه من غسيل لأفكارهم وإنسانيتهم كفيل بأن يجعلهم من أشهر الانتحاريين في العالم، كما يجعل من الإسلام الحنيف أقبح ديانة على وجه الأرض في عيون الآخر كذلك، وهذا أيضاً لا يهمهم، لأنهم آمنوا أن الوصول إلى الجنة وإلى أحضان حوريات العين لا يكون إلا عن طريق الجهاد وتفخيخ أجسادهم الطرية ومركباتهم بالمتفجرات، وعبر شلالات الدماء والإمعان في العنف بأقسى درجاته.
هذا هو المشهد العام للسياحة الجهادية بين قارات العالم، فهؤلاء يملكون رخصاً رسمية للتنقل بين كل الدول من أجل الفتك باسم الإله، فاليوم في فرنسا وبالأمس في أستراليا ولا نعلم غداً في أي بقعة ستتناثر أشلاء هؤلاء مختلطة بأشلاء الأطفال والنساء من الأبرياء.
من علم هؤلاء الفتية أن دخول الجنة لا يكون إلا عبر ثقافة الموت؟ ومن علمهم أن الحورية تقف خلف السيارة المفخخة التي يرتادها الفقراء والناس الطيبون؟ وفي النهاية لا نعلم كيف تم تحريف مفاهيم القرآن الكريم والفتاوى الشرعية في عقول هؤلاء الصغار، حتى ينذروا أرواحهم رخيصة في سبيل بعض الكهنة من المشايخ من كل المذاهب الإسلامية!
قد يبرر بعض السفهاء من الجهلة أعمال الذين يجاهدون في الطريق «الغلط» ويستميتون في الدفاع عنهم، لأنهم بزعمهم يحاربون الصليبيين والكفرة والفسقة، وهم يعلمون أن الأمر ليس كذلك، وليس له علاقة بالجهاد، بقدر ما له علاقة بالمصالح الشخصية والسياسية والمذهبية الضيقة للمحرضين وبعض سماسرة الدين، أما الضحية فهم شباب هذه الأمة المغرر بهم في طريق الموت البشع.
جثث متناثرة لشبابنا من واشنطن مروراً بفرنسا وانتهاء بأستراليا، كلها تقع تحت عنوان الحرب ضد الصليبية، وتحت رايات الانتقام منهم، بينما الذي يجري على أرض الواقع هو أن تشوه الوجه الجميل للإسلام الحنيف أكثر من أن أي عمل يمكن أن يكون تذكرة عابرة لدخول النار قبل سماع صوت الجنة، وهذا ما يجب على الدول والمنظمات المدنية والمراكز الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي مراجعته والوقوف في وجهه بكل حزم بعد دراسة متأنية لأسبابه ومسبباته قبل أن يكون كامل الإسلام في قائمة الموت والكراهية.