الرأي

برنامج حكومي جيد.. لكن ماذا عن التنفيذ؟!

أبيض وأسود










لم يتسن لي أن أطلع على كل البرنامج الحكومي بشكل مفصل في غضون يوم واحد؛ لكني اجتهدت في أن أطلع على ما أحسبه يشغلني ويشغل أهل البحرين.
في هذه القراءة السريعة وجدت أن هناك أموراً كثيرة تهم أهل البحرين تضمنها برنامج العمل الحكومي، ويبدو أن هناك من استمع أصوات ورغبات أهل البحرين بشكل جيد.
جاء موضوع الأمن في برنامج عمل الحكومة في أول الاهتمامات، وهو أمر طيب، خاصة أننا نتعرض للإرهاب بشكل لن أقول منذ التسعينات، ولكني سأقول منذ أربعة أعوام، فقد جاء في إحدى النقاط أنه ستتم زيادة أعداد رجال الأمن، وسيتم تدريبهم بشكل متطور، وسيتم تزويدهم بالتقنيات الحديثة المطلوبة.
وقد توقفت عند هذه النقطة، ذلك أني قد طرحت هذه الفكرة سابقاً، وهي موضوع تزويد رجال الأمن بالتقنيات التي تكشف أماكن المتفجرات، أو مناظير الرؤية الليلية، أو الأجهزة الحرارية التي تكشف من يختبئ خلف الحواجز أو الجدار.
أجد ذلك مطلوباً اليوم بالبحرين، خاصة من بعد كل عمليات استهداف رجال الأمن، وخاصة من بعد اطلاعنا على ملايين تضيع في تقرير ديوان الرقابة، وكان الأجدى أن تستغل في تزويد رجال الأمن بالأجهزة التي تكشف أماكن القنابل التي يراد لها أن تنفجر برجال الأمن، أو بأهل البحرين مثل الذي حدث لذلك المسن القروي الذي ذهب ضحية انفجار إرهابي، كان يقصد منه إصابة رجال الأمن.
بنود كثيرة تستحق التوقف عندها في برنامج عمل الحكومة، وكنت أتمنى أن يتضمن البرنامج خطة علمية مدروسة تقلص اعتماد الميزانية على النفط، وترتكز على دعم مشاريع السياحة العائلية، والصناعات المتوسطة والصغيرة، والمصانع النوعية الكبيرة، وأن تستهدف كيفية زيادة إيرادات الجمارك.
وجدت أن هذا مهم جداً كاستراتيجية وطنية للدولة، خاصة أننا نعاني من قلة إنتاج النفط برغم وعود شركات ووزراء بأن يتضاعف إنتاج حق البحرين «على سبيل المثال لا الحصر».
تشكل الجمارك ثاني إيراد للميزانية العامة بعد النفط، لكن السؤال هنا؛ كيف ننمي مداخيل الجمارك، بينما لم نقم بفتح أبواب الاستثمارات للإخوة الخليجيين بشكل حقيقي، ولم نفتح الأبواب أمام الاستثمار في الجزر المدفونة أو التي ستدفن، ولم نشتغل بعد «برغم كل الوعود» بمشاريع السياحة في جزر حوار المنسية..!
كيف أنمي مداخيل الجمارك والبلد يعاني من الإرهاب ولم نقض عليه، وأصبحت الدولة في استراتيجيتها، وكأنها تريد التعايش مع الإرهاب الحاصل على اعتبار أنه غير مؤثر..؟
مداخيل الجمارك بإمكانها أن تتضاعف مرات ومرات إذا فتحت الأسواق وفتحت المشاريع السياحية العملاقة، وإذا فتح المجال أمام المصانع، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإذا تم تطوير مطار البحرين بحيث نستقبل سياحاً بشكل مضاعف، ونستقبل بضائع بشكل أكبر، ويزداد الشحن.
بالأمس اطلعت على إعلان لمشروع جميل أقيم في جزر أمواج، وهو فندق «آرت روتانا» خمس نجوم، ويطل على البحر ولدى الفندق ساحل جميل، مثل هذا المشروع النوعي تحتاجه البحرين، نحتاج إلى ثورة استغلال البحر، والموقع الجغرافي للبحرين، وأعتقد أننا لا نفعل حتى الساعة بشكل صحيح.
منذ الاستقلال والجمارك تشكل ثاني مورد لميزانية البحرين، وهذا ليس عيباً، «فميزانية دبي ترتكز وتقوم على إيرادات الجمارك أولاً» ولكن لم نطور استراتيجية فتح الأسواق والأراضي الصناعية أمام المشاريع النوعية حتى تزداد مداخيل الجمارك.
فتح الأراضي الصناعية أمام المشاريع يصب في اتجاهين يدعمان ميزانية الدولة، الأول؛ هو زيادة الناتج المحلي، وتوفير وظائف للمواطنين، والثاني؛ هو زيادة الاستيراد والتصدير وبالتالي زيادة مداخيل الجمارك.
يحسب للشيخ محمد بن خليفة رئيس الجمارك أن إيرادات الجمارك زادت في عهده، وأنه وضع نظام عمل يقوم على تحصيل إيرادات الجمارك بشكل صارم وقوي، وأعتقد أننا نحتاج إلى المزيد من الصرامة ومن ضبط العمل الإداري مع تقليص الإجراءات حتى تزداد المداخيل أكثر.
في محور أحسبه مهماً للغاية ويصب أيضاً في صلب موضوع الاقتصاد الوطني، كان محور البنية التحتية للطرق والمواصلات، وقد اطلعت من خلال برنامج عمل الحكومة الحالي على أفكار لتطوير المواصلات تتضمن القطارات الخفيفة، أو «الترام»، وهذا أمر ممتاز وطيب، لكن السؤال هنا؛ هل ستنفذ هذه المشاريع أم أنها في برنامج الحكومة «وكأنها أمنيات لا غير»..!
المنامة هي مدينة الأعمال، كنت أتمنى من الدولة ومن برنامج عمل الحكومة أن يتضمن استراتيجية تحرير المنامة من الازدحامات في الطرق التي تطوق المنامة، مازالت هناك مشكلة في شارع الملك فيصل، والمشكلة أصبحت أكبر في شارع الفاتح، وكل هذه الطرق تطوق المنامة وتعيق العمل، وتهدر الوقت، فهل وضعت الدولة ووزارة الأشغال خطة لعامين مثلاً لتحرير المنامة من الاختناقات، والازدحامات التي تعطل الأعمال؟
الشوارع الداخلية للمنامة تحتاج إلى تطوير كبير، وهي دائمة الازدحام حتى منتصف الليل، فما هي الخطة لتطويرها، وتقليل الازدحام.
ورد في برنامج عمل الحكومة تشجيع القطاع الخاص ودعمه، وهذا أمر طيب، وكنت آمل أن يكون هناك مشروع يقوم على توجيه الشباب «شباناً وفتيات» نحو العمل الخاص، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأن نجعل القطاع الخاص قبلة الشباب بدل العمل الحكومي، وأن نزرع فيهم حب العمل الإنتاجي الخاص.
لدينا شباب وشابات مثل الورد ولديهم أفكار جميلة وطاقات وإبداعات، فبرغم وجود «تمكين»، وبنك التنمية ومجلس المرأة، ومكتب الأمم المتحدة الإنمائي، وهي جهات تدعم الشباب والفتيات لإقامة مشاريعهم الخاصة، إلا أنني كنت أتمنى أن تعلن الدولة عن مشروع كبير، يقوم أولاً على تدريب الشباب وتأهيلهم التأهيل العلمي، والتدريب العملي على إقامة مشاريع خاصة صغيرة ومتوسطة، أو أن تقوم جهة ما بدمج مجموعة من الأفراد يشتركون في الأفكار والرؤى لإقامة شركة خاصة بهم وتدعم من الجهات المذكورة.
مهم جداً أن نجعل فكر شباب الجامعات، وقبل ذلك طلبة الثانوية العامة يتجه نحو الإنتاجية والعمل الخاص، حتى نغير نمط التفكير لديهم القائم على استهداف الوظيفة الحكومية، ذلك أنها أفضل للراحة، ومن يبحث عن الراحة، لن يكون منتجاً أبداً، ولن يتطور أبداً، ولن يزداد دخله إلا بشكل بطيء كما في الحكومة.
ما سبق أيضاً يتطلب تطوير التخصصات في جامعة البحرين، وبقية الجامعات من أجل إعداد الشباب أكاديمياً للتوجه نحو القطاع الخاص، ونحو مشاريع إنتاجية يمول جزء كبير منها من الدولة، أو أن نقوم بإجراءات تقوم على تقديم قروض ميسرة، على أن تستوفى حين يقف المشروع على رجله.
موضوع إعادة نمط التفكير لدى الشباب بأن يتوجهوا للعمل الخاص كان يجب أن يكون مشروع دولة، خاصة أن هناك ميزانية كبيرة وضعتها القمة العربية، وأيضاً القمة الخليجية لهذا الجانب، ويمكن الاستفادة منها.
في ذات سياق ما نطرح من أفكار، فقد قرأت أمس تقريراً في الصفحة الاقتصادية لـ»الوطن» يقول عنوانه «بطء تصنيف الأراضي يعوق الاستثمار، ويحفز المضاربات».
فإذا كنا حتى اليوم لدينا بطء في تصنيف الأراضي، فكيف نتحدث عن الاستثمار؟
في تقرير ديوان الرقابة ورد أن مركز المستثمرين لم يكن محطة واحدة رغم أنه تجاوز سبعة أعوام منذ إنشائه..!!
وقد كتبت ذات مرة عن المركز، وكانت الوزارة تكذب وتفند ما نكتب بشكل مقتضب، بينما الحقيقة غير ما تقوله الوزارة.
اليوم هناك مسؤولية على الأخ الفاضل الوزير الشاب زايد الزياني «وأحسب أنه سيقوم بتصحيح أمور كثيرة خاطئة بإذن الله» لأن يقوم بثورة تصحيح مسار المركز كونه واجهة للبحرين وللاستثمار، وحتى يحاكي تجربة دبي في الكفاءة وسرعة الإنجاز، واحترام المستثمر، وتذليل كل العقبات أمامه في وقت قياسي.
برنامج عمل الحكومة وردت فيه سياسات جميلة، حتى وإن كنا نتمنى أموراً ولم ترد فيه، لكن يمكن تعديله «إن احتاج إلى ذلك» لما فيه مصلحة البحرين وأهلها، لكن التحدي في اعتقادي ليس فقط في وضع برنامج يقنع النواب، إنما التحدي هو في تنفيذ البرنامج لمصلحة البحرين وأهلها، قبل التفكير في إقناع النواب.
تحدي الإنجاز، وتحدي التنفيذ على أرض الواقع هو المقلق لنا من بعد كل هذه الخطوط العريضة، ونأمل أن تكون هذه الحكومة قادرة على التنفيذ، وقادرة على دحر وتقليص البيروقراطية الحكومية المدمرة.
مسؤولية مراقبة التنفيذ وفق خطة زمنية مجدولة تقع على عاتق المجلس المنتخب، هذه هي مسؤوليتهم كجزء من المراقبة والمحاسبة.