الرأي

تواضع لله يرفعك

بنادر



الإنسان الضعيف، ما أن يحصل على شيء من نعم الله من خيرات، مال أو صيت أو مركز، متصوراً أنه حصل عليها بسبب ذكائه أو شطارته أو موهبته، إلا ورأيناه يتبدل في سلوكه، وفي حديثه، وفي لهجته مع زملاء العمل، وفي علاقاته مع أهله أو أصحابه. وربما مر على الكثير منا، مثل هذا الإنسان أو الشخص، الذي يتحول من النقيض إلى النقيض، ومن المدافع عن الحق إلى الوقوف ضد الحق، وأول الشرار، يقع على أقرب الأصدقاء، والمقربون من الأهل والمعارف والجيران. لقد تعرفت في حياتي على العديد من الأشخاص الذين حولتهم المناصب إلى شخصيات متكبرة، ما أن تحاول الاقتراب منها، متفهماً أن كل من يصل إلى منصب ما، أو يحصل على الجاه الذي يرزقه الله والشهرة السريعة التي قد تفر عقل الإنسان، وقد أبرر أن المنصب أو الشهرة أو المجد السريع، يعني أن هناك أشخاصاً آخرين دخلوا حياته، ولابد أن يتواصل معهم، لطبيعة عمله المحتاجة إلى هذا التواصل. ولكن أن ينقلب 180 درجة فهذا غير مقبول، لسبب بسيط أن كل شيء تحصل عليه من مال أو منصب أو شهرة، هو من هدايا الرب لك، يمتحنك فيها، وإذا رسبت في الامتحان، فإنها تزال عنك في لحظة لا تتوقعها، والكرسي كما يقولون دوار.
وقد قرأت أكثر من مرة قصة للشيخ محمد متولي شعراوي، وكنت أؤجل الكتابة عنها، مرة بعد أخرى، حتى قرأت القصة مرة أخرى، قبل فترة بسيطة، فرأيت أنه من الضروري أن أنقلها وأعلق عليها، تقول القصة:
قام الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات، رحمه الله، بتعيين الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، وزيراً للأوقاف، وبعد فترة استقال الشيخ الشعراوي من وظيفته، لأنها أبعدته عن عمله الديني، وفي أحد الأيام، كان يلقي درساً وبعد الدرس اشتد إعجاب الجمهور به بشكل كبير، وفي لحظة، شعر الشيخ الشعراوي بحالة فخر واعتزاز ذاتي، بسبب رد فعل الجمهور بعد الدرس، ركب مع سائقه لكي يرجع إلى بيته، وفجأة طلب الشعراوي من السائق أن يعود به إلى المسجد وأن ينتظره، وطال انتظار السائق فشعر بالقلق عليه، فنزل ودخل المسجد ليطمئن على أحوال الشيخ، وبحث عنه في كل مكان بالمسجد فلم يجده، فساوره القلق مرة أخرى، وفي النهاية ذهب السائق إلى الحمامات، ولدهشته وجد الشيخ الشعراوي رافعاً جلبابه ينظف الحمامات، وعندما سأله عن سبب فعلته هذه أجاب الشيخ رحمه الله: «لقد أعجبتني نفسي فأردت أن أذلها».
إن الدرس الكبير الذي يحاول أن يعلمنا إياه هذا الإنسان الحكيم، هو أنك، حينما يصل بك الأمر إلى حد النشوة مما تقوم به في صالح الناس، يؤدي بك إلى تدمير ذاتك الحقيقية، تدمير الفطرة الإنسانية التي خلقك الله بها، ويحولك من خلالها إلى شخصية مغناطيسية.
والشيخ الشعراوي ما كان يريد أن يعرف أحداً بما يقوم به، فعاد إلى المسجد، محاولاً أن يذل رائحة الكبرياء التي شعر بها، ولكن الله هو الذي ساق السائق ليرى ويسأل الشيخ عما يقوم به، فنسمع هذا الرد العظيم الحكيم.
أقول دائماً لنفسي أولاً، وللآخرين، تواضع، تواضع، تواضع، فإن الله هو الذي رفعك، أو سيرفعك.
أسأل دائماً، هل بإمكاننا أن نتعلم من حياة العظماء أمثال الشيخ الشعراوي؟! أرجو ذلك.