الرأي

من بعد الإرهاب.. هل أصبحنا مقصداً للفوضى؟

أبيض وأسود









مرت علينا إجازة الأيام الوطنية بمشاعــر الفرحة ومشاعر الانتصار لـــلإرادة الوطنيــــة علـــى إرادة الانقلاب والغدر، من بعد أربعة أعوام كانت أسوأ حقبة في تاريخ البحريـــن الحديـــث، لكــن هــذه الحقبة أعطتنا دروساً عظيمة لمن يتعلم من الدروس أو من يستطيع أن يقرأ التجارب والتاريخ.
مع هذه الفرحة الكبيرة، جاءت أمور كثيرة منغصة علينا هذه الفرحة، كنا نظن أننا أصبحنا أفضل من العام الماضي من حيث السيطرة على الأمن والسيطرة على الإرهاب، غير أن واقع الحال كذب ذلك، مازال الإرهاب يضرب متى أراد أن يضرب.
مازالت أخبار التفجيرات تداهمنا، وأخبار الاغتيالات نسمعها، وأخبار انفجارات القنابل تحل علينا، هذا من جانب، أما الجانب الآخر المؤسف جداً، والذي يظهر أننا لم نتعلم بعد مما حدث في الأعوام السابقة من حيث التنظيم للطرقات، وعدم إغلاق الشوارع الهامة من قبل الذين يحدثون الفوضى باسم الاحتفال باليوم الوطني.
هناك شعور لدينا أننا أصبحنا بلداً للفوضى، يأتي إلينا من الخارج من يريد أن يحدث الفوضى ويفعل ما يفعل دون عقاب أو رادع، فلدينا فوضى مزدوجة؛ فوضى مرورية واضحة فاضحة يشاهدها الجميع، دون أي رادع وبغياب لرجال المرور وهيبتهم، فحين ضاعت هيبة رجال الأمن ضاعت هيبة رجال المرور.
لم يتوقف الأمرعلى ذلك، أيضاً حدثت الفوضى الأخلاقية، حتى شاهد الجميع ما حدث ويحدث في البر وغيرها من أماكن، أصبحنا مقصداً للفوضى، كل من يريد أن يحدث الفوضى يأتي إلى هنا ليفعل ما يريد، ويغلق الشوارع، ويركب أجهزة الإزعاج التي تحدث صوت الانفجارات على سيارته ولا أحد يقول له شيئاً، بلد للفوضى بامتياز، كل أنواع تجاوز القانون تتم أمام الجميع.
يحدثني أحد الإخوة الذين يقطنون في منطقة البوكوارة في الرفاع أنه وزوجته وأطفاله لم يناموا ليلتين، فكلما أرادوا النوم أيقظتهم أصوات الفوضى والانفجارات التي تركب على السيارات، وأصوات الأبواق وأصوات إطارات السيارات!
أليست هذه فوضى مؤسفة تتم كل عام أمام الجميع ولم تستطع الأجهزة الأمنية أن تفعل حيالها أي شيء حتى تضرر المواطنون باسم (فوضى الفوضويين في اليوم الوطني) وإغلاق شوارع حيوية وتمر بالمستشفيات باسم الفوضى.
لدينا مع عميق الأسف كل أنواع الفوضى، فوضى الإرهاب، فوضى الإخلال بالأمن المجتمعي، فوضى الانضباط المروري.
وأعتقد أننا مقبلون على عمليات نوعية أخرى من الإرهاب والتفجيرات عن بعد في قادم الأيام، وسوف تتذكرون ما أقول. إلى متى ننتظر سماع أخبار عن عمليات تفجير تستهدف رجال الأمن.
ومن ثم نسمع دولة خليجية قبضت على الفاعلين قبل دخولهم العراق، أو أنهم دخلوها فعلاً بعد أن يهربوا من البحرين، كما حدث في عمليات كثيرة، وعلى هذا الهروب علامات استفهام كبيرة جداً، حول من الذي سهل هروبهم؟ ومن الذي جعلهم يخرجون من البحرين؟ أما عن طريق البر أو البحر أو الجو، هذا السؤال جد خطير..!
قبل تشكيل الحكومة الجديدة، وقبل أن يفوز أعضاء مجلس النواب الجدد، بينما التحدي الحقيقي أمام البحرين وأمام المجتمع وأمام الاقتصاد والتنمية، هو تحدي الأمن، فقد كان النواب السابقين مع احترامنا لهم ظاهرة صوتية، لم يفعلوا ما هو مطلوب منهم إزاء الإرهاب ومحاسبة المسؤولين عن الإخلال بالأمن.
أحد الإخوة من منطقة الرفاع قال لي أمس الأول، إن حالة الفوضى وصلت إلى مراحل متقدمة، فتم الاعتداء على المارة وقذفهم كل ذلك باسم الاحتفال باليوم الوطني، فهل هذا مقبول يا مسؤولي الأمن؟
اطلعت على خبر الأخ الكريم مدير المرور وهو يقوم بزيارة لأستراليا من أجل الإطلاع على التجربة الأسترالية في الأنظمة والمراقبة المرورية، وهذا في حد ذاته أمر جيد، لكن ماذا بعد الاطلاع على التجارب؟
هل نحتاج إلى أن نذهب إلى أبعد نقطة على سطح الأرض من أجل أخذ التجارب؟
لديكم تجربة دبي، تجربة أبوظبي، تجربة الرياض، تجربة الدوحة، تجربة سنغافورة، لديكم تجربة لندن.
ليس مهماً المسافة الآن، لكن المهم ماذا بعد التجارب ونحن في وضع متأخر مرورياً؟
لدينا خبرات مرورية بحرينية، إما أنها تقاعدت أو أنها موجودة بالعمل، لماذا لا نستأنس بخبراتهم ورأيهم؟
في موضوع فوضى اليوم الوطني، شاهدت أمام عيني كيف أن سيارات الإسعاف لم تستطع المرور أمام المستشفى العسكري، الشوارع كلها مغلقة، الطرقات كلها مغلقة بسبب الفوضى، وبسبب عدم التنظيم المروري لأحداث نعرفها ونعرف أنها ستقع، ووقعت كل عام، لكن هذا هو حالنا، حتى في اليوم التالي للفوضى وهو يوم الإجازة التالي لـ 16 ديسمبر، لم تقم الأجهزة المرورية والأمنية بما يجب، وجاءت الفوضى وأغلقت الطرقات ثانية، شيء مؤسف للغاية، حتى أن الفوضى أمام أعين رجال المرور.
بعد أن فعل الشخص الذي يقال عنه إنه خليجي ما فعل في الصخير، خرج علينا خبر في اليوم التالي يقول إنه تم الإمساك به (صباح الخير يا جماعة) ولو أن الصور لم تخرج في التواصل الاجتماعي لما تم القبض عليه.
أنتم ونحن نعرف ماذا يجري في البر من فوضى ومن إخلال بالعادات والتقاليد والدين، لكن لا أحد يأخذ زمام الأمور، ولا أحد يتعلم من السنوات السابقة، لذلك ستتكرر الفوضى في العام القادم، بعد أن صرنا مقصداً للفوضى.
وأعتقد أن هذه الفوضى ستتم أيضاً في رأس السنة الميلادية، ولن يتغير شيء، كل الأمور تنزل علينا فجأة مثل المطر، لا نستعد، ولا نخطط، ولا نتصدى للفوضى وتتعطل مصالح الناس.
البعض يعرف القانون في البحرين، لذلك حين يأتون إلى هنا يفعلون كل الذي لا يستطيعون فعله في بلادهم، ويعودون أدراجهم كما دخلوا، وهذا محبط، أن نصبح وجهة للفوضى، من بعد أن كنا مثلاً في الأمن ومثلاً في الانضباط المروري.
يقال إن الأجهزة الأمنية ركزت على الإرهاب لذلك حدثت أمور كثيرة واختلالات في أجهزة أخرى، لكننا لم نقض على الإرهاب، ولم نضع حلولاً أو ضوابط أمنية لأمور أخرى كالفوضى وفقدان الأمن في (مناطق) وفي (مناسبات) ناهيك عن تأخرنا مرورياً إلى درجة مؤسفة للغاية، جعلتنا في آخر الصف الخليجي.
تحدي الإرهاب هو تحدي الدولة، وتحدي القرار السياسي المتردد، وتحدي المجلس التشريعي، وتحدي المجتمع، وتحدي الاقتصاد، والتجارة، والتنمية، فإلى متى التردد، إلى متى نشاهد كل هذه العمليات النوعية ونحن نتفرج؟
السعودية بالأمس قضت على أربعة إرهابيين في العوامية، حزم وقوة ضد كل من يرهب الناس ويقتل النفس التي حرم الله. هكذا تفعل الدول التي تريد أن تقضي على الإرهاب.
التنمية والاقتصاد والتجارة والاستثمار كل هذه الأمور تتحدث عنها الدولة وتضع لها خططاً لأربعة أعوام، لكنها سراب من غير أمن، إن لم يتم القضاء على الإرهاب «بقرار سياسي» صارم وقوي ونافذ، الارهاب إن تركتموه سيكبر وسيتوسع، ويتكون عملياته نوعية اكثر، فإلى متى هذا التردد؟
أحداث العيد الوطني، والإرهاب الذي حدث لا يجب أن يمر مرور الكرام، وإحداث الفوضى بسبب الأيام الوطنية غير مقبولة، وهذا نكرره في كل عام ولا حياة لمن تنادي، وإحداث الفوضى الأخلاقية في البر وفي مناطق أخرى من العاصمة غير مقبولة أبداً، هذه الأجراس نقرعها لمن يريد أن يسمع صوت أهل البحرين، ورأس السنة الميلادية على الأبواب، وأخشى أن نقع في المحظور مثل كل عام، هذا هو للأسف حالنا.