الرأي

ماذا يمكن أن نقرره بعد الأزمة النفطية؟

رؤى










من المؤكد أن الأزمة النفطية للدول المصدرة للنفط، باتت تلامس مناطق الخطر في اقتصاداتها الوطنية والقومية، ولربما وصلت إلى مراحل أكثر خطورة من ذي قبل، وذلك لسبب بسيط جداً؛ وهي أن غالبية الدول المصدرة والمنتجة للنفط تعتمد عليه كمصدر رئيس وربما مصدر وحيد للدخل، مما جعلها خاضعة ومستسلمة لتقلبات أسعار النفط، فكلما تحسن وارتفع سعره انتعشت، وكلما هبط سعره تضررت بشكل مباشر وسريع.
إن من أبرز الدول النفطية في العالم والتي تعتمد على النفط كمصدر أساس للدخل الوطني هي دول مجلس التعاون الخليجي، حتى وإن تفاوتت نسبة اعتمادها على النفط من دولة خليجية لأخرى، وبغض النظر عن منسوب احتياط النفط وتفاوته من دولة لأخرى كذلك؛ إلا أن النسب في الاعتمادية عليه تتخطى في بعض الأحيان حاجز 90%، وهي نسبة كبيرة جداً وربما مجنونة، حين يكون اعتماد دولنا على النفط كمصدر رئيس للدخل الوطني!
كان يجب على الدول الخليجية ومنذ عشرات الأعوام التي سبقت هذا اليوم أن تعتمد على مصادر أخرى للدخل الوطني غير النفط، حتى يمكن لها ألا تتأثر بهبوط سعره كما هو الحال في كل أزمات النفط الحالية والسابقة، لكن دولنا لم تكترث بهذا الفهم، لأنها كانت تدرك أن الآبار النفطية التي تملكها والمليئة بخيرات الله يمكن أن تغطي عيوب اقتصاداتها ما دامت تتنفس، لكن تبين أن الاعتماد على النفط بصورة مطلقة سيكلف الدول النفطية خسائر مجلجلة، ربما تؤثر حتى على احتياطي الأجيال القادمة.
يجب أن تنوع دولنا مصادرها للدخل المحلي، وأن تبدأ بالتبادل التجاري مع دول العالم بصورة أكبر، وإقامة المشاريع الصناعية الخفيفة منها والمتوسطة وحتى الثقيلة على أراضيها، وإحياء مشاريع الأراضي الزراعية الميتة، واعتبار الزراعة من أهم وأبرز مصادر الدخل القومي، خاصة أنها تتعلق بمشاريع الأمن الغذائي، والحفاظ على البحر والمياه، لأنها أيضاً لها علاقة بحروب الماء القادمة، كما يجب إيجاد مصادر أخرى للطاقة غير النفط، كذلك على الدول الخليجية تحديداً أن تطور مستويات السياحة لديها بكافة أشكالها، وتطور في موازاة ذلك، السياحة العلاجية والرياضية والثقافية والدينية وسياحة الأعمال، وغيرها من المشاريع السياحية التي باتت تدر مليارات الدولارات على دول فقيرة لا تمتلك قطرة نفط.
إن اقتناع الدول الخليجية واكتفائها بالنفط كمصدر وحيد للدخل القومي يعتبر من أكبر الأخطاء والأخطار التي تهدد دول مجلس التعاون، خصوصاً أن اللاعبين الكبار في العالم اليوم هم وحدهم من يستطيع التحكم بمجريات السوق عبر إثارة الكثير من المشاريع السياسية والإقليمية التي تؤثر بصورة مباشرة على سعر النفط، مما يجعلنا غير قادرين على التحكم في سعر بضاعة نحن نملكها.
تعيش دولنا وضعاً صعباً للغاية، وبعد أن تتجاوز الدول المصدرة للنفط هذه الأزمة، عليها أن تعمل بجدية تامة لإيجاد مصادر أخرى للدخل، غير النفط، وإلا سنظل أُسارى في يد دول كبرى تتحكم في سياسات العالم ومصيره، والتي تتحكم تلك السياسات في سعر النفط، كما تحكمت سابقاً وحالياً في سعر الإنسان العربي!