الرأي

عند الضرورة تبطل المحرمات

عند الضرورة تبطل المحرمات


التواجد العسكري البريطاني الموثق بمعاهدات واتفاقيات وشروط وبنود وبرغبة من الدولة ليس جريمة نكراء ولا من كبائر الذنوب


لكل داء لابد أن يكون له دواء؛ وإن كان هذا الدواء في أخس الشجر، ولو كان الدواء الذي تحتاجه البحرين اليوم هو تواجد عسكري لدول أجنبية فأهلاً بهذا التواجد، وأهلاً بالقاعدة العسكرية البريطانية، فالأرض شاسعة والمساحة كافية، وكما كانت كافية لوجود قاعدة أمريكية فإن الأمر سيان، فلا ضرر بعدها من وجود قاعدة عسكرية بريطانية فلعل وجودها يكون أنفع من القاعدة الأمريكية، وهو بالفعل أنفع، وذلك بعدما سمعنا صياح ونياح البعض على الاتفاق البحريني البريطاني لإنشاء قاعدة عسكرية، أي أن هذا التواجد ليس في صالحهم ولا صالح إيران ولا أمريكا، إذ من الممكن أن يتعثر مشروع الشرق الأوسط الجديد، وقد ينتهي في ظل تنافس بريطاني ليعيد إلى بريطانيا مكانتها العسكرية.
التواجد العسكري البريطاني الموثق بمعاهدات واتفاقيات وشروط وبنود وبرغبة من الدولة ليس جريمة نكراء ولا من كبائر الذنوب، بل الجريمة النكراء هو ترويع الآمنين وقتل النفس التي حرم الله قتلها، وهو ما يحدث الآن من قبل الأصوات التي آلمها وأحزنها وفقع كبدها هذا الاتفاق، هذه الأصوات التي تحلل وتجيز وتفتي بالقتل بدعوى المظلومية والحرية، حيث كانت بالأمس تطلب بمملكة دستورية على الطريقة البريطانية، فإذا بها اليوم ترفض هذا النموذج وأن يكون له قاعدة وتمثيل في البحرين، فهذه الأصوات التي تطالب كل يوم بتدخل أممي وعسكري وتستعين بأمريكا، تعارض وتستنكر وكل يوم تصدر تقرير وتطالب على حد زعمها القوى الوطنية والجهات الأهلية والسلطة التشريعية بالوقوف ضد هذا الاتفاق، بزعمها أن التواجد البريطاني العسكري سيهدد مصالح واستقرار وأمن وسلامة البحرين، كما تقول أنه سيسمح بتقويض ومصادرة سيادتنا الوطنية، في الوقت التي تطبل وترقص عندما تتدخل إيران في البحرين وتهــدد بضمهـــا واحتلالها.
لكن لو كان هذا الاتفاق بين البحرين وإيران أو العراق لرأيتم التهليل والتبريك وتبادل الأماني والتهاني، ولخرجوا بالورود والطبول، بالضبط كما رحبوا بالتحالف الأمريكي الإيراني في غزو العراق، كما رحبوا وتبادلوا التهاني بسقوط صنعاء في يد الحوثيين، ولكن عندما لا يكون التحالف والاتفاق يماشي هواهم ويحقق مناهم فسيكون بالنسبة لهم كارثة وانتهاك سيادة ومن المحرمات والموبقات، وقد تفتي بعض مراجعهم بالجهاد.
إذا اليوم كثرت على هذه الأصوات المصائب وتضاعفت عليها الآلام وتوالت عليها الصفعات من كل الجهات حتى أصبحت تهلوس ببيانات، ومنها التذكير بوعد بلفور وتمكين إسرائيل في فلسطين، فأصبحت بريطانيا بالنسبة لهم عدو بعد أن كانت الملاذ الآمن والمكان الجميل التي يستأنس فيه أعداء البحرين الذين يطالبون من بريطانيا إسقاط النظام، وفجأة تتحول الدول الصديقة الحميمة لهم الى عدو ينتهك سيادة البلاد، فهذا والله دليل أن التواجد البريطاني في البحرين فيه خير كثير، فكل أمر بالنسبة لهم مكروه، فهو بالطبع أمر محبوب، وعلى الدولة أن تسارع لتنفيذ هذا الاتفاق.
إذاً هذا اتفاق برغبة من الطرفين فليس فيه شك ولا ريبة، فالمعاهدات والاتفاقيات أمر جرت عليه الأمم ومنذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، من حفظ العهود والمواثيق مع غير المسلمين ما دامت هذه العهود ضرورة لا بد منها لخدمة ديارهم، فهو ليس تعاون ولا تحالف ولا اتفاق على الأثم والعدوان، بل هي مصالح متبادلة توجبها الظروف، وما هذه الأصوات إلا أصوات المفسدين الذين يسعون في الأرض فساد وهم من يحرضون المجتمع الدولي بكامل دوله ليتدخلوا في البحرين كما تدخلوا في أوكرانيا، كما طالبوا سابقاً بتدخل بريطانيا في البحرين ودعم الانقلاب، ولكن عندما جاء التعاون مع البحرين بصفة رسمية وشرعية وعلنية وكما نصت عليه القوانين الدولية، صار الأمر بالنسبة لهم مشين ومكروه.
ولا نقول والله إنها لكياسة وسياسة ونظرة استراتيجية واحترازية فاعلة وثاقبه في أن يكون لبريطانيا قاعدة عسكرية في البحرين، فتوازن القوى مطلوب في ظل تهديد متواصل لدول الخليج من كل جهة وصوب، وها نحن نرى دولة تسقط تلو الأخرى، وذلك عندما لم تتخذ هذه الدول في اعتبارها أن يكون لها هي الأخرى تحالف ومعاهدات واتفاقيات مع دول ذات قوة وباع، فها هي إيران بينها وبين روسيا تعاون دائم ومتبادل ومتواصل، وقد جاء في هذا التعاون كما ذكر في البيان الصادر عن وزيري الدفاع الروسي والإيراني أن «روسيا وإيران ستطوران التعاون العسكري والعسكري - التقني نظراً لما آل إليه الوضع السياسي الراهن في العالم».
إذا التعاون العسكري وإنشاء القواعد الأجنبية ليس جريمة نكراء، بل هي ضرورة ملحة تفرضها الظروف، فأهلاً وسهلاً بالقاعدة العسكرية البريطانية، فأرض البحرين فيها مساحات شاسعة وكافية وكذلك بحرها فيه من العرض والطول لأكثر من أسطول، ما دام هذا التعاون فيه خير للبلاد فعند الضرورة تبطل المحرمات.