الرأي

هل تسمعون صوت أهل البحرين..؟

ابيض و اسود



سأبدأ مقالي اليوم من نقطة بعيدة عما أنا بصدده؛ إلا أنها في حقيقة الأمر ليست بعيدة كثيراً، فهي صورة صغيرة، تظهر لنا المشهد الكبير.
الصورة هي كالآتي، منذ فترة وأنا (أردح) حول زراعة وتشجير وتزيين شارع يعتبر الواجهة للبحرين، والواجهة للزائر من المطار والجسر والميناء، وهو واجهة أيضاً للحكومة كونه يمر بجنب مبنى الحكومة، ومباني الوزارات السيادية، وبمنطقة الأعمال والاقتصاد، وهو شارع الملك فيصل (رحمة الله على الملك فيصل الذي لا يشبهه أحد).
لكن منذ أكثر من عامين أو أكثر وأنا بين الفينة والأخرى أكتب عن واجهة المنامة لكن (ابن عمك اصمخ)، بالأمس كنت ماراً على الشارع، وإذا بي أجد عمالاً يزرعون النخيل، فصورت النخيل المزروع بشكل خجول متقطع ونشرتها في الإنستغرام، وقلت «أخيراً ولدت..!!».
شارع حيوي مثل هذا الشارع احتاج إلى سنوات ليستوعب بعض الوزراء الذين يتقاذفون المسؤولية بينهم أن الأمر يستحق التنفيذ «بسرعة»، والسرعة هذه أكثر من عامين..!
ليس هذا صلب ما أنا بصدده، لكن هذه الصورة الصغيرة التي تزعج أي مواطن يتمنى أن يرى وطنه هو الأجمل والأفضل والأنظف والأفضل معيشة وسواحله مفتوحة، لكننا نصطدم بواقع مرير وببيروقراطية حتى في أتفه الأمور. من هنا من هذه الزاوية، أقول لك يا من يعنيه الأمر، وأقول أيضاً للوزراء الجدد، النواب الجدد، الشوريين الجدد، البلديين الجدد، أقول لهم جميعاً هل هذه هي البحرين التي نريد ونتمنى؟
ألا تشتعل فيكم الغيرة على البحرين لتكون الأفضل في كل شيء؟
ألا تغبطون دولاً كانت متخلفة عنا بسنوات طويلة، والآن أصبحت تتقدم علينا بسنوات ضوئية؟
والله نتمنى لأهلنا وجيراننا كل الخير، لكننا نحب البحرين أكثر، ونحب ترابنا أكثر، ونحب هواءنا أكثر، ونحب حتى «رطوبتنا» أكثر..!
في كرة القدم «مثلاً» بدأنا قبل الآخرين، واليوم أنتم ترون حالنا (الكل يسطرنا ويمشي) مع كل الاحترام للذين بدؤوا بعدنا (عمان، اليمن، وبكرة بنغلاديش، وسيريلانكا من يدري)، فلماذا أصبحنا هكذا؟
من المسؤول؟
لماذا نقدم رياضات أخرى على اللعبة الشعبية الأولى في العالم من حيث الاهتمام والرعاية والمنشآت والميزانيات؟
في السياحة الجميع يتخطانا في الخليج، ودائماً نصور لأنفسنا أننا الأفضل، مع أننا نملك موقعاً جغرافياً يتمناه الجميع، ودولتنا جزيرة، ويمكن استغلال 7 أشهر في العام على أقل تقدير سياحياً من (أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر، يناير، فبراير، مارس وأبريل..!).
لكننا لا نفعل، ونضع إحصائية دخول السيارات عبر الجسر ذهاباً وقدوماً لنقول زارنا هكذا عدد، ونفرح أننا دولة سياحية إثر ذلك الرقم..!
إذا كانت أسعار النفط تتقلب، ولدينا عجز ميزانية، فلماذا لا نضخ ميزانيات كبيرة ولو (لمرة واحدة) لنقيم مشاريع كبيرة تستقطب أهل الخليج ونجعل بلدنا بلداً سياحياً حقيقياً وليس وهمياً؟
كل شيء بدأ عندنا قبل الآخرين، لكن أين وصلنا؟
وماذا فعلنا بأنفسنا؟
نعم هناك من يعيق المسيرة، وهناك الحاقد والمريض، والذي يضع العصا في العجلة، لكن إن كان من يفعل ذلك ويقصد إعاقة تقدم ونهوض وطن وشعب، فإننا جميعاً يجب أن نكسر يده، ونجعله عبرة، الوطن أهم من حماقات البعض الذي هو مسيس ومطأفن خلقه.
نعم انشغلنا بالسياسة التي (تجيب وجع القلب) عن الاقتصاد والاستثمار والتجارة، وهذا خطأ كبير، فدبي مثلاً لا أحد يسأل فيها عن السياسة، بينما الجميع راض، ويعمل ودخله عالٍ، فلماذا ننشغل بالسياسة التي قد تخرب الحالة الاقتصادية، ويأتي من لا يعرف «كوعه من بوعه» في مجلس منتخب ليفتي في مالا يفقه، ويعطل الاقتصاد والتجارة..؟ أقول لمن يعنيه الأمر، هل تسمعون صوت الناس الذي به ألم ومرارة، حين يرون كل من حولنا يتقدم، ونحن نضرب رجلنا في مكانها ونتخيل أننا نتقدم..!
مع نية التشكيل الوزاري، هل نختار الكفاءة والوطنية والإخلاص، ونظافة القلب واليد كمعيار لاختيار من نعينهم كوزراء؟
أم أن أموراً أخرى ستتدخل؟
جزء من معاناتنا في كثير من الأحيان هو عدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، وهذا أكبر عائق للتنمية والنهوض والتقدم. لماذا لا تضع الحكومة الموقرة مؤشراً دقيقاً وصارماً على كل وزير، ماذا أنجز من خطته، وماذا أنجز من خطة الدولة، وكم من الوقت أخذ، وكم من المال أنفق لينجز؟ لماذا نترك الوزير يعطل المشاريع، حتى إذا ما شعر بتغيير وزاري استعجلها وأخذ يفتتح مشاريع متأخرة بسرعة قبل أن يغادر؟
هذا يجب أن يحاسب على تأخير المشاريع التي هي لخدمة المواطن، لا أن نكرمه بمنصب بديل..!
(هرمنا يا جماعة الخير.. هرمنا) حين كنا في المدرسة كنا نرى الأمور بشكل جميل وعفوي وصادق، كنا نظن أننا كدولة نتقدم وتركنا الآخرين خلفنا (وقد يكون ذلك صحيحاً في ذلك الوقت) لكن بعد أن خرجنا إلى الواقع وبعد سنوات، اكتشفنا أن بعض الوزراء يأتي للمنصب من أجل الوجاهة، ومن أجل أن يعمر أشياء خاصة، على حساب تعمير الوطن..! هذا هو المؤلم لنا، لماذا يتخطانا الآخرون ونحن أفضل في الطاقات البشرية والعقول والمواهب، وحب الوطن، والانتماء لهذا التراب؟
لماذا يحصل ذلك وكل المقومات نمتلكها بين أيدينا، لكننا نمشي مشي السلحفاة السمينة..!
كنا نظن أننا بمجرد أن نتقدم للوظيفة في هذه الوزارة، أو تلك الشركة، أو تلك المؤسسة فإننا سنوظف سريعاً، ثم بعد مدة طويلة نكتشف أن هناك معايير أخرى للتوظيف ليست لها علاقة بالكفاءة والشهادة والانتماء والوطنية.
نكتشف أن الدولة عينت مسؤولاً مهووساً طائفياً في أغلب الأماكن المذكورة، لذلك تجد أن التوظيف 90% من لون واحد، وتجد العاطلين أيضاً يتكدسون على الجانب الآخر..!
ثم حين يراجع أهل البحرين مسؤولي التوظيف يقال لهم: «يا أخي اذهب للجيش، ليش جاي هني، ترى بياخذونك في الجيش..!»،
حتى تم الاستيلاء على منظمة العمل الحكومي من الداخل وكان ذلك لأهداف استراتيجية بعيدة المدى..!
ماذا فعلنا بأنفسنا وبمستقبلنا، لماذا تركنا الأمور تسير دون أن نرى ماذا يحدث، وماذا يرتكب بعض المسؤولين، أو الوزراء من كوارث، وأخذنا نتفرج عليهم؟
بينما بعضهم كان يحتاج محاكمة عسكرية على ما ارتكبه من فضائع بحق أهل البحرين.
هكذا فعلت الدولة، كدست أناساً في أماكن بعينها، وتركت كل الوزارات والهيئات والمؤسسات والبنوك والشركات الكبرى لمن ضربنا في ظهرنا في 2011..!
«في البحرين راعي النصيفة مو سالم» لكننا ماذا نفعل أصبحنا نطالب بالنصيفة «أضعف الإيمان» على الأقل تكون الخسائر أقل ساعة الأزمات، لكننا ضيعنا البوصلة الوطنية، ووثقنا فيمن لا يستحق الثقة.
هل تسمعون صوت أهل البحرين؟
هل تسمعون صوت أولئك الذين من أمثال الرجل الطيب البحريني الأصيل «عبدالله الوزان» وأمثاله كثر، هل تسمعون صوتهم..؟
هؤلاء هم أهل البحرين الحقيقيون، هؤلاء يحبون البحرين من دون مقابل، وتبكي عيونهم ساعة ألم البحرين، وساعة فرح البحرين، يبكون في الحالتين، حزناً وفرحاً لوطنهم، مثل هذه المعادن ضعوها في مجهركم، ضعوها تحت ناظركم، الحاقد لن يرضى يوماً، لو أعطيتموه ماء عيونكم، في ساعة ميلان السفينة سيميل، وسيحاول إغراقها أكثر.
هل تسمعون صوت أهل البحرين..؟
لماذا اكتشفنا خلال الانقلاب أن أعداداً كبيرة من أبناء البحرين المخلصين لا يعملون؟
جاء الانقلاب وأظهر الصورة التي لا تشاهدونها ولا يخبركم بها من وثقتم به، هؤلاء العاطلون لم يذهبوا حتى لوزارة العمل لتسجيل أنهم عاطلون، وأنتم تعرفون السبب، ولماذا أحجموا عن الذهاب، وأنتم المسؤولون عما يجري لأهل البحرين هناك، ماذا يعرض عليهم من وظائف..!
دموع «عبدالله الوزان» هي دموع كل بحريني ينتصر لوطنه في ساعة كان الحاقد يريد أن ننكسر ونخضع لإرادته الطائفية، تقبيل الوزان لجواز سفره حباً واحتراماً وولاءً لهذه الوثيقة الغالية درس جميل للأجيال، ولو كان بيد عبدالله الوزان لقبل تراب البحرين، وأمثاله في أغلب المناطق العريقة، هكذا تربوا، وهكذا رضعوا حب البحرين من أمهاتهم، الولاء والانتماء لا يدرس، ولا يلقن في مناهج جوفاء فاشلة، الولاء والانتماء وحب البحرين وقيادتها يزرع في داخل الأسرة والبيت، في سلوك الأب والأم في حديثهما وأفعالهما.. يزرع في المسجد وفي المدرسة، لكن من الذي يدرس الولاء بالمدرسة.. هنا السؤال؟
هذا المشهد يا وزارة التربية يغني عن ألف منهج وألف حصة تعليم. وأي المساجد التي تزرع الولاء وأي الأماكن التي تزرع الأحقاد؟
هل تسمعون صوت أهل البحرين؟
عبدالله الوزان قال: «أنا ما علي قصيرة، ولا أبي شي من أحد، أنا أحب ديرتي وأموت فيها بس».
الرجل لم يفعل ذلك من أجل شيء، هو فقط يحب وطنه، ولا يريد شيئاً من أحد، وأحسب أنه قال ذلك لأن البعض يظن أنه فعل ما فعل ليحصل على شيء، الرجل بخير ولا يريد شيئاً. هؤلاء أهل البحرين الذين تناسيناهم، وانشغلنا عنهم سنوات طوال، وذهبنا لإرضاء من لا يرضى، وأخشى أن نضيع من يحبوننا ويسندون ظهرنا، ولكننا بالتأكيد لن نكسب من يطعنوننا أبداً..!
** رذاذ
أتمنى أن يحدث تنافس كبير بين المحافظات والبلديات من أجل الفوز بأفضل محافظة أو بلدية قامت بتزيين الشوارع للاحتفال باليوم الوطني.
الوقت مازال ممكناً أن يتم التسابق من أجل هذه المهمة، فقد كانت الجنوبية حين كان الأخ الشيخ محمد بن أحمد مديراً لها تقدم أفضل تصاميم وأشكال وطرق لتجميل الشوارع، واليوم نتمنى أن تنتقل هذه الحالة لكل المحافظات.