الرأي

حلمنا القادم.. «المدينة الخليجية المشتركة للدراسات والبحوث الاستراتيجية»

نبضات



مراراً وتكراراً نقف على أهمية البحث العلمي في رفد صناع القرار بحقائق الأمور وتحليل الواقع واستشرافات المستقبل، وفي تقديم النتائج والتوصيات بما يسهم في وضع أجندة السياسات والسيناريوهات المختلفة. ورغم تلك الأهمية التي ترتكز عليها صناعة القرار، تكاد مراكز الأبحاث في الخليج العربي تعد على الأصابع، أما الرصينة والتي تحقق تلك الأهداف فهي أقل بكثير، وفي البحرين.. لدينا واحد فقط.!! فمن الأولى ألا نخضعه للتصنيف بقدر ما نجري عليه من دراسات لاختبار جدواه هو أولاً، ومن ثم العمل على تطويره لنكون أكثر ثقة بقراراتنا لا سيما المصيرية منها.
لعل دولنا تنفق بعض ثرواتها في استقطاب باحثين من مراكز بحثية أجنبية أكثر تطوراً لدراسة قضية أو موضوع ما في المنطقة -محلية وإقليمية على السواء- ولعلها كذلك تستجلب «بحوثاً معلبة» لدراسة وفهم المشهد الدولي واستشرافاته المستقبلية، وهو ما يدعوني لاستحضار كلمة د. خالد الرويعي، المدير التنفيذي لمركز «دراسات» خلال حديثه في الملتقى الخليجي الثالث للتخطيط الاستراتيجي، قال فيها «لا يوجد مركز فكري مستقل، وكل الأبحاث الأمريكية حول أزمة البحرين تبنت فكر السياسة الخارجية الأمريكية»، وبناءً على ذلك يمكننا القياس على بقية القضايا، بل علينا القياس في قدر ما يمكن تهيئته من أرضيات لتنفيذ الإرادة الأجنبية عموماً على أراضينا وبما يمس سيادة دولنا عبر دراسات وأبحاث مفصلة وفق المزاج المصلحي للباحث وإدارته.
ندرك تماماً كم أن مراكز أبحاث جادة ومتخصصة تستهلك الكثير من ميزانيات الدول وثرواتها، ولكننا نعلم علم اليقين أنها لا تضاهي ما يهدر في دولنا على الحفلات و»بريستيج» الطبقة المخملية وأذنابها، والتعامي عن الفساد المالي في بعض مؤسساتنا. إننا ندرك أنه متى ما أدرنا الميزانية العامة ووجهناها في مسارها الصحيح، متى ما أوجدنا مصادر جديدة للدخل، متى ما أنهينا مشكلة الدين العام، وعملنا على حل القضايا الثقال في المملكة وفي المنطقة، سنكون قادرين على تحقيق مزيد من الإنجازات والدفع بعجلة إنشاء مراكز متخصصة. غير أن تلك القضايا التي أشرنا الى ضرورة التخلص منها وصولاً لحلول جذرية، هي أيضاً بحاجة لدراسة معمقة وإيجاد حلول جذرية لها، لن تتأتى إلاَّ من خلال مركز أبحاث أكثر حرصاً على حل المشكلات القائمة، وتقديم الحلول الناجعة.
ثم بعد ذلك.. فإن مركز «دراسات» لا يمكن الحكم فعلياً على مستوى نشاطه الكلّي نظراً لسرية ما يجريه من أبحاث في أغلب الأحيان، بمعزل عن أبحاث قليلة منشورة، وإننا إذ نلحظ في بعض الأحايين تقدماً في صناعة القرار السياسي في البحرين، وفي السياسة الخارجية البحرينية على وجه الخصوص، فإننا ندرك أحياناً أو نقرأ أن «دراسات» وما شابهها من مراكز أبحاث إقليمية قد أدارت ذلك الحراك السياسي بشكل أو بآخر أو على أقل تقدير أسهمت في صناعته. لكن ذلك لا يكفي أيضاً، عندما تكون المنطقة بين فكين، بل عندما تكون محاصرة من الجهات الأربع.
مركز واحد للبحوث لا يكفي، في ظل تلك المطامع التي تنهش فينا من كل صوب وناحية، في ظل تنامي الأعداء وتنوع السياسات، وتكالب القوى، إننا في دول تتعاطى في كل أمورها مع الكم قبل الكيف، ولا أدري لماذا لم تطل هذه الثقافة مرتكزاتنا الهامة التي نعول عليها في الخروج من أزماتنا وخيباتنا، ترى.. أو يعقل أن التعاطي مع خيباتنا أيضاً يقاس بميزان الكم؟!!
إننا نتطلع لمراكز بحثية متخصصة، وقد طرح هذا الموضوع من قبل كثيرين مراراً وتكراراً، مركز الدراسات الإيرانية، مركز الدراسات الأمريكية، مركز الدراسات الأوروبية، مركز الدراسات التركية، ومركزاً للدراسات الآسيوية خصوصاً الدول الصاعدة نحو الهند والصين وروسيا. مراكز للمشكلات السياسية في الداخل، وأخرى لدراسة الوضع الإقليمي والدولي. بمثل هذه الأدوات فقط نصل إلى التخطيط الاستراتيجي.
إن دول المنطقة مقبلة على مشروع «الشرطة الخليجية» والتي ستتخذ من «أبوظبي» مقراً لها، ولعلنا بحاجة لمزيد من التطلعات ودفعها نحو الدراسة الجادة والتنفيذ بإنشاء مراكز بحثية خليجية تعنى بالقضايا الإقليمية في ضوء المصالح المشتركة، بما يمنح دول الخليج مزيداً من التكاتف والتعاون، ويقلل من احتمالات تباين وتفاوت المصالح، وتقويض النزاعات الداخلية فيما بين أعضاء مجلس التعاون، كما لعل من شأنه أن يعيد المغردين خارج السرب لسربهم بعد تحقق المصالح داخلياً، بمعزل نسبي عن الخارج المتحين للفرص.
لعل مستوى الطموح يرقى إلى مركز أبحاث شامل، فإننا نطمح لأن نؤسس لمدينة بحثية خليجية، تنطلق منها مراكز البحوث في كافة التخصصات، ولدراسة قضايا المنطقة على مستويات مختلفة تحقق أهدافها، وتسهم في صناعة خليج مغاير قادر فعلياً على مواكبة عالم يموج بالمتغيرات.