الرأي

الوفاق مساحة للاسترزاق!

قطرة وقت


من أطرف التعليقات التي تضمنت انتقاداً لي تغريدة نشرها صديق أخيراً جاء فيها «فريد أحمد حسن يجد في الوفاق مادة دسمة، ومساحة للاسترزاق، بدون حساب أو كتاب»، واضح منها أن الصديق وفاقي أو من المتحمسين للوفاق وأنه معها في كل الأحوال حتى وهو يرى أخطاءها وتخبطها وأنه يعتقد أن غياب الوفاق يعني توقفي وتوقف كل الكتاب الذين يكتبون في الشأن السياسي المحلي عن الكتابة، فمن دون الوفاق تتعطل الأرزاق، وواضح أيضاً أنه يرى في كتاباتي ما يستدعي محاسبتي.
ما غرد به الصديق حقه وهو في كل الأحوال رأي لا يمكن أن يفسد الود بيننا، لكنني رأيت أن أوظفه هنا لتبيان أمور وتصحيح أخطاء. أول تلك الأخطاء الاعتقاد أن غياب الوفاق من الساحة يعني غياب المبرر للكتابة في الشأن السياسي المحلي وانتفاء الحاجة لكتابة المقالات، وثانيها أن الوفاق لا ترزق؛ فالله سبحانه وتعالى هو الرازق وهو الرزاق، عدا أن الكتابة عن الوفاق لا يقابلها «قواحيش» من أي جهة كما يظن البعض الذي يستهوي التخوين، فالكتابة عن الوفاق أمر طبيعي طالما أنها جزء من المشهد السياسي وطالما أنها تمعن في الخطأ، فلو كانت الأخطاء التي ترتكبها هذه الجمعية ترتكبها جمعية أخرى لنالها ما نال الوفاق من نقد ولتم التركيز عليها (لعل الجميع لاحظ مقدار النقد القاسي الذي أوجهه باستمرار للجمعيات المحسوبة على اليسار بسبب تنازلها عن دورها وتسليم رقاب «الرفاق» لمن لا يعرف كوعه من بوعه في السياسة وتكراري لقول إنها ترتكب خطأ استراتيجياً سيتسبب في شطب تاريخها النضالي).
أما مفردة «الاسترزاق» فلم تكن موفقة، وهي نفس المفردة التي استخدمها قبل حين أمين عام الوفاق عندما تناول في حديث له بمسجد الصادق أحد الغيورين على هذا الوطن من رجال الدين، فقال عنه إنه بوقوفه إلى جانب الدولة وتصريحاته التي لا ترتاح الوفاق منها «يترزق الله».
هذه التعبيرات إنما تكشف عن حالة نفسية صعبة يعيشها الوفاقيون سببها أنهم يعتقدون أنهم، وأنهم فقط، على الحق، وأن الآخرين جميعاً على الباطل وطالما أن الآخر لا يقول بما يقولون به ويعبر عن وجهة نظره التي لا تتفق معهم فهذا يعني أنه يسترزق من خلالهم.
أما قول الصديق بأنني أكتب بدون حساب أو كتاب فالرد عليه بسيط؛ وهو أنني في كتاباتي لا أتجاوز اللياقة والأدب ولا أتناول الأشخاص ولا أسب ولا أشتم ولا أتعرض لدين أو مذهب أو ملة، وإنما أناقش بالمنطق وبواقعية دون أن يعني أن كل ما أطرحه صحيحاً، فقد أكون مخطئاً في رأيي وفي تحليلي وفي قراءتي، فما أكتبه يعبر عن وجهة نظري ولكن من دون الإساءة إلى أحد، بل إنني أصر دائماً على كتابة صفة من أكتب عنه، خصوصاً إن كان من رجال الدين، لقناعتي بأن هذا حقهم، ولأنني أحب أن أنادي كل شخص بالصفة التي يحب أن ينادى بها. ومع هذا فإن القانون في البحرين يتيح لكل شخص تقديم بلاغ للنيابة العامة للتحقيق في كل ما يراه إساءة، حيث تقوم النيابة العامة بعملية «الحساب والكتاب»، ولست استثناء، فكما إن من حقي أن أكتب فإن من حق الآخرين انتقاده والاستفادة من القوانين التي يمكن أن تعيد إليهم حقهم لو شعروا أنني سلبته منهم.
الوفاق جزء من المشهد السياسي المحلي، خصوصاً مع أخطائها الكثيرة وتخبطها الواضح وارتباطها بجهات خارجية ورفعها راية مذهبية صار بسببها لها جمهور مهووس بها يتحكم في تصرفاتها ويوجهها، ولولا هذا لما تناولها الكتاب في مقالاتهم ولما أعطوها أي اعتبار، وهذا يعني أنها ليست مساحة «للاسترزاق».