الرأي

«تحريف» كلام وزير الداخلية..!

اتجاهات



نتفق تماماً بأن اختلاف الآراء وراد، وتباين وجهات النظر أمر طبيعي، وحتى الوقوف على جبهات متقابلة بشأن أي قضية مسألة عادية جداً. لكن حينما يدفع الاختلاف أصحابه إلى «قلب» الحقائق و«فبركة» أحداث و«تزوير» حتى الكلام الصريح الواضح نصاً، فإن المسألة تتعدى مرحلة الاختلاف لتصل إلى مرحلة الاستهداف.
هذا ما يمكن الخلوص له حينما تقرأ بعض ردود الفعل وما كتب عن لقاء وزير الداخلية الأخير مع رؤساء التحرير وكتاب الرأي، خاصة حينما ترى توجهاً واضحاً من فئة محددة تحاول تحوير الكلام وتطويعه ليتناسب مع قياسها.
موضوع توقيف أمين عام الوفاق علي سلمان كان له نصيب من الحوار، وكان كلام وزير الداخلية واضحاً تماماً بشأن مبررات التوقيف، حتى إنني سألته شخصياً عن موقف الوزارة من «تغريدات» عديدة للوفاق عبر حسابها الرسمي تصف فيه أفراد وزارة الداخلية بنعوت وأوصاف فيها ازدراء وتحقير مثل «مرتزقة»، فأجاب بأن هذه المسألة من ضمن التهم الموجهة والتي تدخل في إطار ازدراء وإهانة وزارة الداخلية علانية.
لا يمكن لأحد أن ينكر «باستثناء المتعاطفين مع علي سلمان والداعمين لتوجهاته وأهدافه» بأنه مارس التحريض مراراً ودعا الناس والشباب للخروج للشوارع ومناهضة الدولة. لا يمكن لأحد إنكار تهجمه اللفظي الدائم على الدولة ورموزها، ولا يمكن نكران التصريحات الأخيرة الموثقة بالفيديو التي هدد فيها الدولة وأشار لوجود جهات عرضت عليه تسليح جماعته وبدء معركة في البحرين. وطبعاً قبل أيام استمعنا لأمين عام حزب الله وهو يقول بكل صراحة إن حزبه قادر على تسليح جماعة علي سلمان وحتى إمدادهم بالرجال.
منذ استدعاء علي سلمان للتحقيق «وهو ليس الاستدعاء الأول، لكنه الاستدعاء الذي طبق معه لأول مرة التوقيف للتحقيق»، كانت تتركز محاولات عناصر الوفاق والإعلام المحسوب عليهم ومن هو تابع لهم على تصوير استدعائه وتوقيفه أنه «استدعاء وتوقيف سياسي»، وهي الكذبة التي يحاولون اليوم ترويجها إعلامياً ووصلت لمستوى «تحوير» و«تزوير» كلام وزير الداخلية واقتطاعه والتركيز على جمل فيه مع تعمد «إلغاء» أجزاء كثيرة منه هي بيان للحقيقة وواقع ما قيل.
وزير الداخلية كان واضحاً بشأن التوقيف وأورد نقاطاً مباشرة بلا لف ودوران، وهي كالآتي:
- أمين الوفاق ارتكب مخالفات متكررة يجرم عليها القانون، وقام بها على مرأى ومسمع الكثيرين ووثقت في مواد إعلامية منشورة.
- الدولة اتخذت عدة إجراءات تحذيرية بحقه، لكنه لم يقدر ذلك وواصل في تكرار المخالفات، وقد استدعي مرات للنيابة، الأمر الذي يؤكد اعتياده ارتكاب المخالفات.
- تحريض وتحشيد أمين الوفاق لجماعته بالأخص لإفشال الانتخابات رصدت بشأنه تنظيم 76 فعالية هدفها منع الناس من ممارسة حقهم الدستوري بالتصويت.
لكن النقطة التي يحاولون التركيز عليها تمثلت في «توقيت التوقيف»، والتي أيضاً شهدت تساؤلات من كتاب عدة باعتبار أن مخالفات أمين الوفاق كان لها امتداد زمني طويل، هذه النقطة التي قرأنا لها بالأمس «تحويراً» و«تزويراً» صريحاً، أوضح الوزير بشأنها أنه لم يكن مناسباً اتخاذ إجراءات قانونية تؤثر على سير العملية الانتخابية، وشرح أمام الحضور أن الدولة تعاملت بحكمة بحيث لم تمنح الوفاق حجة لاستغلال أي وضع لإفساد العرس الانتخابي.
النقطة هذه هي بالضبط ما كانت تبحث عنه الوفاق، والتي لو رجعنا فقط لأسابيع قبلها وما شهدته من حراك ظاهر وخفي بشأن الانتخابات، لعرفنا «وهي حقيقة تحاول الوفاق إخفاءها عن شارعها ولا تملك جرأة الإفصاح عنها» بأن الجمعية قامت بعديد من محاولات الوساطة وفتح الخطوط مع النظام «الذي تشتمه» ليمنحها شيئاً على هيئة صفقة أو تنازل حتى تواجه شارعها وكأنها حققت مكسباً، وحينما فشلت في أسلوب الابتزاز هذا لجأت لخيار «الاستعراض البطولي» بأنها ستقاطع الانتخابات من أجل أتباعها، في حين أن الحقيقة تتمثل بأنه لو حصلت الوفاق على ما أرادت لما همها شارعها بقدر ما ستعمل عوضاً على تحشيده للتصويت على القائمة الإيمانية التي ستصدر.
الفكرة هنا بأن هناك سعياً واضحاً لإبراز توقيف علي سلمان على أنه «توقيف سياسي» لا توقيف مبني على خلفية ارتكابه مخالفات تستوجب لها عقوبات منصوص عليها في قوانين المملكة، وهي التي أوردت في لائحة التهم، ونعيدها للتأكيد: التحريض والترويج لتغيير النظام السياسي بالقوة والتهديد وبوسائل غير مشروعة، التحريض علانية على بغض طائفة من الناس وازدرائها ما يؤثر على السلم العام، إهانة وزارة الداخلية، عدم التقيد بالقوانين. وفي كل هذه التهم لا توجد تهمة سياسية مرتبطة بموقف «مقاطعة الانتخابات» وهو ما يحاول البعض تصويره على أن توقيف علي سلمان بسبب موقفه المقاطع للانتخابات.
التبرير بحد ذاته غريب، إذ التسلسل الزمني للأحداث يفيد بأن الوفاق أعلنت المقاطعة، وحاولت بالتهديد والترهيب منع الناس من المشاركة لا بالترشح «مثلما فعلت مع عضوها بونبيل» ولا بالتصويت عبر التهديد في المناطق، بل وباركت استهداف المرشحين الآخرين من الطائفة الشيعية الكريمة في مناطقها «حرق ممتلكات وسيارات، وتهديد وترويع»، بل وصلت لمستوى «الفبركة» و«الكذب» و«الادعاء» بالباطل مثلما فعل عضوها سيد جميل حينما ادعى زوراً بأن الدولة تمنح أموالاً تصل لـ100 ألف دينار لأي شخص يترشح في دائرة تسيطر عليها نظرياً الوفاق، وعجز عن الإتيان بدليل حينما طولب به. ورغم كل ذلك الناس كانت هي العنصر الذي «حرق» الوفاق حينما شاركوا بشيعتهم وسنتهم وأوصلوا التصويت لنسبة 52.6% بدون احتساب عدد يفوق الأربعة آلاف من الذين ذهبوا للتصويت ولم تكن أسماؤهم مسجلة في القوائم أو أولئك الذين لم يشاركوا خوفاً من الوفاق.
بالتالي ونظراً لهذا السياق، ما الفائدة التي ستجنيها الدولة من توقيف علي سلمان «الآن» بعد أن انتهت الانتخابات واتضح «الحجم الحقيقي» للوفاق فيها؟! أيضاً لماذا لم يتم توقيف بقية قيادات الوفاق مع علي سلمان إن كان «التوقيف سياسياً» كما يحاول إعلام الوفاق تصويره؟! ها هو خليل مرزوق يصرخ حتى بح صوته، وغيره وغيره، ولا تقولوا سيد جميل، فتوقيفه سببه ترويج أكاذيب وإشاعات لتشويه صورة الدولة دون أن يتقدم بدليل واحد يثبت كلامه، يعني لأنه «كذاب» و«مدعٍ» وليس «سياسياً».
الواضح اليوم أن لدينا من يحاول «لوي» الحقائق و«بتعمد»، خدمة لأجندة وقضية هو يؤمن بها ويتبناها، ودعماً لحراك الوفاق وعملها المناهض للدولة، وهذا يجعلهم يأتون بتحليلات وفرضيات وتأويلات لكلام واضح وصريح «يفهم» بكل سهولة ولا يحتاج لتفسير على من «يستعصي» عليه الفهم.
كلنا كنا حاضرين كرؤساء تحرير وكتاب رأي نستمع لوزير الداخلية ونناقشه وبعضنا استرسل في أسئلته ومداخلته، والرجل كان كلامه واضحاً جداً وصدره رحب وسأل كل شخص تواجد عما إذا كان لديه سؤال أو مداخلة، بعضهم تداخل، وبعضهم هز رأسه نفياً. وهنا الاستغراب من البعض الذين يحضرون مثل هذه اللقاءات مع مسؤولي الدولة، تمنح لهم المساحة للسؤال بحرية عن أي شيء يريدون، فلا هم يقومون بالسؤال، وإن سألوا سألوا عن شيء آخر، ثم تراهم يتحولون إلى «أبطال على الورق» حينما يكتبون لوحدهم من مكاتبهم عن أمور كان بإمكانهم المناقشة فيها واستيضاحها مباشرة.
الوزير والمسؤول كان جالساً يتحدث معكم، لماذا لم تسألوه بكل وضوح وجرأة، بدلاً من تأويل كلامه وتحويره وتطويعه حتى يناسب «مزاجكم»؟! لا يجوز ذلك، أمام المسؤول «قط وديع» وعندما تختلي مع قلمك وأوراقك «أسد هصور»!
الجرأة والشجاعة في المواجهة المباشرة والسؤال والتحاور والنقاش، لا السكوت وقتها، ثم اختراع القصص وافتراض الفرضيات وتقويل الناس ما لم يقولوه.
عجيب أمر أبواق الوفاق، حتى القانون يريدونه «على كيفهم»، يقول الوزير توقيف فلان «إجراء قانوني» فيقولون «قال الوزير توقيفه سياسي»!!
قلناها «الصراخ على قدر الألم»، وديدن الكاذب والمفبرك الكذب والفبركة؛ أليسوا هم من قالوا «إسقاط النظام» ثم أبدلوها -حينما رأوا صرامة الدولة بتطبيق القانون- بل قلنا «إصلاح النظام»؟! أليسوا هم من قالوا «نحن الباقون وأنتم الخارجون» واليوم يتباكون على اللحمة الوطنية ويقولون للناس «حبوا بعض»؟! أليسوا هم من نشر صور مصابين وضحايا في بلد بالمغرب العربي وقالوا إنها في البحرين؟!
كل إناء بما فيه ينضح، وما أكثر الأواني الناضحة بكرهها لهذا البلد.