الرأي

قبل أن نحمل الأثقال على ظهور الناس..!

أبيض وأسود


قبل أن أعرج على ما أنا بصدده اليوم حول برنامج عمل الحكومة، وحول الميزانية العامة للدولة، سأتوقف عند هذا الحدث الذي كان لافتاً في لقاء سمو رئيس الوزراء ـ حفظه الله ـ بالصحافة يوم الخميس الماضي.
خلال الحوار الذي دار مع سموه، تحدث الأستاذ انور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج في مداخلة صريحة، وقد قال كلاماً ربما لا يستطيع غيره أن يقوله، وذلك لمكانة الأستاذ انور عبد الرحمن عند قادة البلاد، ولمعرفتهم أن كلامه ينطلق من واقع مصلحة عامة.
الأستاذ أنور قال بما معناه: «إننا كمواطنين غير راضين عن التشكيل الحكومي الجديد، وغير راضين عن تشكيل مجلس الشورى، وإن هذا التشكيل غلبت عليه المجاملات»..!
وفي هذا الكلام نقد قوي وصريح ومباشر، وقد قاله الأستاذ أنور أمام رئيس الوزراء، ويحسب للأستاذ أنور أنه يقول ما يشعر به ولا يخشى لومة أحد.
كنت أود أن أشير إلى حديث الأستاذ أنور عبد الرحمن في عمود الأمس، لكن ضيق المساحة حال دون ذلك.
أذهب الآن إلى ما أود طرحه في عمود اليوم، فالحديث اليوم حول برنامج عمل الحكومة، وحول الميزانية العامة للدولة، وقد تطرقت إلى ذلك أمس في عجالة. فالمعروف أن برنامج عمل الحكومة يأتي على هيئة خطوط عريضة، ويضع سياسات الدولة وبرامجها للأربعة اعوام القادمة.. أو يمكن القول إن برنامج عمل الحكومة يمثل خارطة طريق لما تنوي الدولة القيام به من مشاريع في أربعة أعوام.
أشرت أمس إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً جداً بين برنامج عمل الحكومة، وبين الميزانية العامة، والميزانية هي التي ترسم الصورة الشاملة للبرنامج، وهنا يجب التوقف من أصحاب القرار عند بنود الميزانية العامة.
ليسمح لنا الجميع، هناك الكثير من أوجه الإنفاق الخاطئة في الميزانيات السابقة، ولم تعالجها الحكومة، هذا إذا ما تركنا موضوع الفساد المالي جانباً، من هنا فإنه على الدولة اليوم وهي تضع برنامج عمل الحكومة المرتبط بالميزانية العامة أن تحصر كل المخالفات التي وردت في تقارير ديوان الرقابة المالية أولاً وتعالجها وتقضي عليها. ومن ثم تشكل لجنة من الخبراء والأكفاء والمخلصين لدراسة أوجه الإنفاق الخاطئة في الوزارات والهيئات والشركات الحكومية، وأنا على يقين أن ملايين كثيرة ستوفر في الميزانية العامة بعد هذه الدراسة، بل إن الحكومة نفسها ستكتشف «بلاوي متلتلة» وشقوقاً كثيرة تذهب فيها أموال الدولة إلى أماكن مظلمة..!
هناك ملايين تضيع داخل الوزارات، وهناك وزارات اشتهرت بتاريخ كبير من هدر الأموال، أو إذا شئتم الفساد المالي.
فقبل أن أقول للمواطن: عليك أن تربط الحزام «لأن البرميل هبط» فإنه يتوجب على الدولة أن توقف كل أوجه الهدر والإنفاق الخاطئ، وأن تحاسب المسؤولين عنه بشكل صارم.
سمو ولي العهد ـ حفظه الله ـ تبنى إرادة إصلاح قوية حين شكل لجنة تبحث فيما جاء بتقرير ديوان الرقابة المالية من تجاوزات، هذا يحسب لسموه، فقد جاءت اللجنة بنتائج طيبة، على الأقل كمرحلة أولى على طريق المحاسبة، وقد أحالت اللجنة الشبهات الجنائية وأصحابها إلى النيابة العامة.
هذا التطور الكبير في إرادة المحاسبة من قبل مجلس الوزراء ومن قبل سمو ولي العهد هو محل تقدير وإعجاب من الناس، لذلك فإن هذا الأمر يجب ألا يتوقف، الملايين الضائعة داخل الوزارات هي المصيبة الكبرى، والمشاريع التي تتعطل في الوزارات هي المصيبة الكبرى.
في ذات الوقت، فإن بعض الوزارات والوزراء يقومون في نهاية الميزانية «المقررة كل عامين» بإنفاق الأموال الفائضة على أمور تافهة، حتى لا يعيد الفائض لمجلس الوزراء، وإن هذا يحدث فعلاً، فيجب محاسبة كل من يقوم بذلك، فهذه الأموال يمكن استغلالها في أوجه ضرورية في جهات أخرى.
إذا كان التركيز اليوم على برنامج عمل الحكومة، فإن هذا البرنامج يجب أن لا يستثني المشاريع التي تعطلت في الميزانية السابقة، وإلا فإننا نضع مشاريع وخططاً جديدة ننوي القيام بها، بينما المشاريع السابقة لم تكتمل، ويجب محاسبة كل وزارة على هذا التقصير.
في المقابل أيضاً، وفي ذات سياق ما ذكر آنفاً، فإن إحساس الناس اليوم هو إحساس غريب، خاصة حين بدأت رسائل التقشف تصل إليهم، فغالبية الناس تقول اليوم، إذا كنتم لا تريدون زيادة الرواتب على خلفية الظروف الاقتصادية، ألا يجب بالمقابل أن تضرب لنا الدولة مثلاً في خوفها على المال العام وتقوم بإيقاف المهرجانات والاحتفالات والسباقات التي تتوالى كل يوم وكل شهر في ظاهرة غريبة عجيبة لا تحدث في دولة لديها عجز مالي؟
المواطن يعيش حالة «انفصام في الشخصية» بسبب ما يرى ويشاهد، هنا حرق وإرهاب وقتل لرجال الأمن، وهناك احتفالات ومهرجانات «وردحة»..!
هذه الحالة من الانفصام في الشخصية تسببت بها الدولة للناس، المواطن يكاد يقول «شنو صاير بالبلد.. احنا مو عارفين نفرح، وإلا نحزن، حفلات ومهرجانات وسباقات، والديرة مشتعلة بالحرايج والإرهاب، شنو قاعد يصير ما ندري»..!
هنا نشاهد دخان الألعاب النارية، وهناك دخان الحرائق..!
كل هذه الأمور تؤثر على الناس، حين نقول لأهل البحرين أن الأوضاع الاقتصادية ليست كما كانت، فيجب أن تضرب لنا الدولة بنفسها مثلاً قبل أن نحمل الأثقال على ظهور الناس، أوقفوا هدر المال العام في تلك الاتجاهات، قلصوها أضعف الإيمان، حتى يشعر الناس أن الدولة أوقفت هدر المال العام، وضخت الأموال في اتجاه آخر يصب في مصلحة الناس.
يجب مخاطبة المواطن أولا بما يحس ويشعر، قبل التفكير في النواب، المواطن هو الهدف وليس النواب فقط، حتى وإن كانوا ممثلين عن الناس، إذا أردنا أن نضع يدنا على الجرح، فالجرح هنا، في الإنفاق، في الأمور التي لا جدوى منها، وفي أماكن صرف الوزارات والهيئات في أماكن خاطئة، وأحياناً يصبح الهدر فساداً واضحاً، هذه «الحنفيات» أغلقوها، قبل أن تقولوا للناس عليكم أن تتحملوا أربعة أعوام قادمة والنفط منخفض..!
إذا كان النفط يتحكم في مصائرنا، فمن المسؤول عن عدم إيجاد مداخيل وبدائل بالميزانية العامة منذ اكتشاف النفط في عام 1932 وحتى اليوم؟
هل المواطن أم الدولة، الدولة التي لم تضع صناعة السياحة «النظيفة» في أجندتها، واكتفينا «بسياحة الكاس والمرقص» ولم تفتح سواحل العاصمة للناس، ولم نفتح الجزر أمام الناس والسائح، ولم نوفر مشاريع البنية التحتية للسائح الخليجي تحديداً.. أليس هنا الجرح، أليس هنا الوجع؟
وحين نُضيع الأمن يضيع كل شيء، تضيع السياحة، ويضيع الاستثمار، وتغادرنا الشركات والمصانع، والبنوك، باختصار يحل الخراب علينا.
البوصلة مازالت مفقودة، ومن يقول إن الدولة ترى مالا يراه الناس، نقوله اليوم، فلتشاهد الدولة ما يشاهده الناس ولو مرة واحدة، عندها ستشعرون بمعاناتهم، وقد تعرفون كيف تشاهدون مؤشر البوصلة..!
** رذاذ
تحتل البحرين المركز الثاني في الصيرفة الإسلامية بعد ماليزيا، فهل فكرنا كيف نضع استراتيجية حتى نصبح نحن بالمركز الأول؟ أم إن المركز الثاني سنفقده بهذا الوضع، وسيذهب لصالح دولة خليجية أخرى وضعت نفسها عاصمة للصيرفة الإسلامية ولديها خطة لذلك؟ إن لم تخطُ للأمام، فإنك تخطو للخلف، وأخشى أننا كذلك..!
** فضيحة المؤتمر العام للوفاق كانت كبيرة، فقد كان علي سلمان يقول اعطونا الاستاد الوطني وسنريكم جمهورنا في المؤتمر العام..! بتصريحات الوفاق نفسها فقد حضر المؤتمر العام للوفاق 1808 أعضاء فقط..!
هذه فضيحة كبرى للوفاق، ولم يكذب على الدولة وعلى الرأي العام حين يقول سنملأ الاستاد الوطني..!
يا أخي جمهور نادي المحرق ومستوى الفريق ضعيف أكثر من جمهوركم في المؤتمر العام..!
لا يمكن لأحد أن يحترم أناساً امتهنوا الكذب، حتى صار كل حديثهم كذباً..!