الرأي

ما هو الحل؟

رؤى


سبعة من مسلحي «طالبان» الإرهابية، ارتدوا أحزمة ناسفة وهاجموا مدرسة في بيشاور، ما أسفر عن مقتل 148 شخصاً منهم 132 تلميذاً، فضلاً عن إصابة 121 طالباً آخرين في حصار المدرسة. بعد هذا الخبر، أعلن مسئولون حكوميون باكستانيون ، أن إسلام آباد تنوي تنفيذ عقوبات الإعدام في 500 شخص خلال الأسابيع المقبلة، وذلك قبل أيام من انتهاء قرار بتعليق هذه العقوبة في 2008.
على الرغم من كون هذا القرار يثلج الصدر، خصوصا صدور أهالي الشهداء والضحايا من الأبرياء، إلا أنه يبدو فيه الكثير من الانفعالات، ولا يمكن أن ينفك الموضوع عن كل هذه الشحنات من مستوى الانفعالية، لأنه باختصار شديد يتعلق بالعواطف والدم وكرامة الإنسان.
نحن نقدر حجم الألم في هذه الواقعة الإرهابية وغيرها من الحوادث التي عادة ما تحصد أرواح الأبرياء، لكن وحسب تقديراتنا وقراءاتنا المتأنية لمثل هكذا أعمال بربرية، لا يمكن أن يكون تطبيق حكم الإعدام وحدهُ كافيا في أن يكف الجانب المتعطش للموت من ممارسة إرهابه، وكيف لهذا الإنسان أن يخاف من عقوبة الإعدام، وهو الذي خرج أصلاً من أجل أن يموت ولو كان موته بأن تختلط أشلاؤه بين أشلاء الأبرياء؟!!
لو أعدمت الإرهابي ألف مرة ومن ثم عاد إلى الحياة ألف مرة كذلك، فإنه سوف يختار طريق الموت مرة أخرى، لأنه يعتقد جازماً أنه يمارس العمل الذي يقربه إلى الله تعالى وربما يدخله الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض، من دون حساب أو كتاب.
إذاً، المشكلة هي مشكلة ثقافية وعقدية، يجب أن تعالج من الجذور، وليست قضية لها علاقة بالعقل أو بالمنطق أو حتى بالقانون، حتى تحاول باكستان وغيرها من الدول المتورطة بهذا السرطان العالمي»الإرهاب» معالجة المشكلة من باب تطبيق العقوبة فقط.
نحن أمام ظاهرة يجب الوقوف عليها وتأملها بكل دقة وبأدق التفاصيل، من أجل معالجتها قبل فرض قوانين وعقوبات قاسية ربما تحرف مسار الحل الحقيقي إلى حيث البعد الأمني والعسكري.
لا خيار لحكومات الدول الإسلامية اليوم سوى مراجعة الكثير من النصوص التاريخية والدينية والكثير كذلك من الموروثات الثقافية التي عبثت وتعبث على الدوام بعقول صغارنا، كما يجب مراجعة المناهج التي ينهل منها صغار العالم الإسلامي وحتى كباره، ومراقبة البؤر التي تصدر للعالم كل هذا الكم الهائل من الفكر الإجرامي، سواء من خلال المنزل أو عبر المدرسة أو دور العبادة أو أي مكان آخر، من أجل تجفيف منابع الفكر الإرهابي والدموي بطريقة علمية، حتى وإن تطلب ذلك وقتاً طويلاً.
لو أعدمت باكستان أو غير باكستان 500 عنصر من عناصر «طالبان»، من دون معالجة للب المشكلة وتجفيف منابع الإرهاب كما أشرنا قبل قليل، فإن مناهجنا «المسكوت عنها» ستنتج لنا ألف عنصر جديد في اليوم التالي، ومن هنا فإننا نرى أن المشكلة تكمن في معالجة الفكر، وليس في تطبيق القانون، في محاربة الجوهر وليس بضرب القشور.