الرأي

ما لم تقله ليبيا للخليج «1»

ورق أبيض



أسهم الستار الحديدي الذي فرضه نظام العقيد معمر القذافي لعقود على هذا البقعة الهامة من العالم العربي في تجهيل كبير، جعل العربي لا يعرف عن ليبيا سوى القليل المتثل في أنها صحراء تطفو على كنز من الثروات، وتحكم بنظام متفرد مزاجي لا يوجد له تصنيف في قواميس السياسة والحكم منذ بدء الخليقة، ويتربع على عرشه الزعيم الأوحد الذي تُخلع عليه عشرات الألقاب التبجيلية إرضاءً لنوازعه الشاذة الغريبة، والتي جعلت منه القائد والسياسي والفيلسوف والفنان والرياضي الأوحد، حتى استقر في أذهان العرب، خاصة في منطقة الخليج، أن في ليبيا الشقيقة مواطن واحد هو القذافي، ولعقود لم يسمح للعرب بمعرفة شيء عن ليبيا أكثر مما جاء به فيلم عمر المختار.
بعد نجاح الثورة ضد نظام العقيد اكتشف المواطن العربي أن في ليبيا جغرافيا وتاريخ وديموغرافيا متنوعة عرقياً وقبلياً، تشكل امتداداً طبيعياً لإخوانهم في قبائل الجزيرة العربية، وهو ما دفع هذه الحالة من الاهتمام المفاجئ بالشأن الليبي، والذي آتى ثماره، فأصبح المواطن العربي المتابع يملك حصيلة جيدة من المعلومات تضم أسماء لمدن وقبائل وشخصيات عامة، مؤذنة بانحسار أجزاء معتبرة من الستار الحديدي، خاصة أن دولاً خليجية أسهمت في المجهود الحربي الذي أدى لإسقاط القذافي، وكان طبيعياً أن تحاول تلك الدول خلق أرضية صلبة لمصالحها ودخول السباق الدولي لجني ثمار السقوط والنهاية المأساوية للعقيد ونظامه.
ومن الطبيعي أن لا يكون استقرار ليبيا بالسرعة ذاتها لهدوء الأوضاع في باقي دول الثورات كتونس ومصر واليمن نسبياً، لأن الثورات في هذه البلدان انتقلت بشيء من السلمية، وحافظ الجيش على مكانته كحامٍ للدولة والشعب، أما ما جرى في ليبيا، ومن قبل في العراق، فكان انهياراً تاماً للجيوش، مما ساعد كثيراً على ظهور عدد كبير من المليشيات والتنظيمات المسلحة، والتي دخلت في حرب مع الجيش النظامي الليبي أثناء الثورة، إضافة لدخول أعداد كبيرة من التنظيمات الأجنبية إلى الساحة الليبية تحت عنوان إسقاط نظام معمر القذافي، مكونة مجاميع من «الجماعات الجهادية» والتي وجدت في ليبيا الفوضى تربة خصبة للاستيطان والتكاثر، والأهم من ذلك تداخل المصالح الإقليمية والدولية على خلفية الثروات النفطية والمخزون الهائل من الغاز الذي تحتويه الأراضي والمياه الاقليمية الليبية، إضافة الى خوف دول الجوار وأوروبا من انفلات الأوضاع.
ساهم كل ماسبق في زيادة مضطردة لأعداد اللاعبين على الساحة الليبية، إقليمياً ودولياً، وعقد الأمر تقاطع وتنافر مصالحهم، لكن بدا أن جميعهم في نهاية الأمر عقدوا العزم على استغلال فرصة فراغ الدولة لإحكام السيطرة والظفر بأكبر قدر من المكاسب.
دولياً؛ كانت الولايات المتحدة والاتحاد الروسي والصين وأوروبا، تتوق في الدرجة الأولى إلى البترول والغاز، باعتباره المحرك الأساس لاقتصادياتهم، مع تباين جذري للمصالح الروسية، التي حاربت إلى جوار نظام القذافي، ولم يكن في صالحها استقرار ليبيا واستتباب الأمر لخصومها الغربيين، الذي كانوا يقضون على حلفائها واحداً تلو الآخر، ولكنهم في ليبيا كانوا يحاولون القيام بما هو أكثر لخلق أسواق كبرى تضر بالمصالح الروسية التي تحظى بشبه احتكار لإمدادات الغاز لأوروبا، عبر أوكرانيا، ما يحرمها أو يخفف من ضغوطها ونزالاتها مع أوروبا لسنوات.
أوروبياً؛ كانت المصلحة تقتضي سرعة استقرار الوضع الليبي مع الحفاظ على نصيبها من الكعكة التي تحاول الولايات المتحدة الظفر بها؛ وعدا النفط والغاز، كانت مصلحة الاستقرار مدفوعة بتخوف كبير من أن تكون السواحل الليبية الممر الأنشط لتدفق الهجرة غير الشرعية وتعزيز مواقع متقدمة للجريمة المنظمة على سواحلها.
بالنسبة للولايات المتحدة والصين فإن العين الأولى تتجه باتجاه الغاز والنفط، خصوصاً أنهما يعدان من أكبر اقتصاديات العالم التجارية والصناعية، وأن هناك حاجة ملحة لتوفير كميات كبيرة من النفط والغاز باسعار رخيصة.
ولكن؛ ماذا عن مصالح الدول الاقليمية والخليج العربي؟!

.. للحديث بقية