الرأي

«برنامج الحكومة».. مطالبات واقعية ومزايدات البعض!

ابيض و اسود



يهيمن اليوم موضوع برنامج عمل الحكومة بعد أن قدمته الحكومة إلى مجلس النواب، يهيمن هذا الموضوع على ساحة النقاشات وعلى صفحات الصحف، ذلك لأنه الموضوع الأكثر أهمية هذه الأيام ونحن في أول تطبيق للتعديلات الدستورية الأخيرة التي أقرها جلالة الملك -حفظه الله-.
الوقت يمضي سريعاً، والمدة الدستورية التي يجب أن يرد من خلالها مجلس النواب على برنامج الحكومة هي 30 يوماً، لذلك فإن عامل الوقت في هذا الموضوع هام وحاسم، وإذا لم يرد مجلس النواب في الفترة المحددة فسيعتبر برنامج الحكومة مقراً من المجلس.
بعيداً عن كل ما يجري، وبعيداً عن تصريحات بعض أعضاء مجلس النواب، التي ربما فيها بعض المزايدات، فإن ما يعنينا كمواطنين هو ألا يتحول مجلس النواب إلى مجلس «إعاقة للتنمية» أو أن يصبح مشابهاً لمجالس أخرى في المنطقة، ويتحول إلى مجلس مناكفة للمناكفة.
من حق مجلس النواب أن يمارس سلطاته الدستورية، ونحن كشعب نريد ذلك ونطالب به، غير أن ما يشغلنا هو أن يسيطر بعض المندفعين على الصوت العقلاني في المجلس، أو أن يضع بعض النواب مطالبات تشبه المطالبات التعجيزية.
طرح مجلس النواب موضوع قياس الإنجاز في برنامج عمل الحكومة، وهو مطلب جيد، كما طرح بعض الأعضاء موضوع الأرقام، ولا أعرف ما هي الأرقام المطلوبة في برنامج عمل الحكومة، هل المقصود هو أرقام تتعلق بتوقيت الإنجاز؛ أم المقصود بها أرقام الميزانية؟
أرقام توقيت الإنجاز أمر مهم جداً، فقد عانينا كمواطنين في ميزانيات سابقة تأخير في إنجاز وزارات بعينها، كما أن هناك وزارات لا تقوم بتنفيذ المشاريع التي تم تخصيص ميزانيات لها، وظهر ذلك في تقرير ديوان الرقابة الأخير، وكل ذلك يحتاج إلى محاسبة حقيقية من الحكومة للوزارء، ويحتاج إلى محاسبة من مجلس النواب أيضاً.
من هنا، فإن بعض مطالبات النواب أجدها موضوعية ومهنية وصحيحة، خاصة في موضوع توقيت الإنجاز، أو برنامج قياس الإنجاز، وأحسب أن وزارة شؤون مجلس الوزراء لديها برنامج قياس متحقق فعلاً.
من واجبنا كصحافة اليوم أن نفرق بين مطالبات النواب الواقعية التي ترتبط بموضوع برنامج الحكومة، وبين مزايدات بعض النواب الذين أخذهم بعض الحماس وربما دون أن يدركوا أن التوقيت حاسم، وأن رفض مجلس النواب لبرنامج عمل الحكومة إذا ما تكرر فإن حل مجلس النواب (كخيار) قد يعني رحيل جل من وصل إلى المجلس الحالي، إذا ما تقررت انتخابات جديدة.
وجدت في لقاء وفد من الحكومة وأعضاء مجلس النواب لنقاش برنامج عمل الحكومة خطوة موفقة، فالذي نتمناه هو أن يتوافق المجلس مع الحكومة، وأن نصل إلى منطقة في المنتصف بين الجانبين، يتم فيها تحقيق ما هو عقلاني وواقعي ويشكل مطلباً لاحتياجات المواطنين من رغبات أعضاء المجلس، وبين ما تطرحه الحكومة من حلول وبدائل خاصة في ظل وصول برميل النفط إلى مستوى فوق 40 دولاراً للبرميل.
لقاءات الحكومة مع المجلس هامة وطيبة، ونتمنى أن يعي الجميع أننا في وضع إقليمي مضطرب، وفي وضع مالي غير مستقر، فالمبالغة في المطالبات التي لا تشكل صلب احتياجات المواطن نجده غير مبرر اليوم.
العقلانية اليوم هي أن نبحث عن نقطة في المنتصف بين ما تطرحه الحكومة وما يطرحه النواب، على أن نضع في تقديرنا المطالبات التي أكبر من الواقع إنما تشكل أرقام إضافية في ميزانية الدولة، فكيف سيوازن السادة النواب بين المطالبات وانخفاض أسعار النفط، هذا هو الأمر الذي يبدو أنه غائب بعض الشيء عن بعض المندفعين.
ليسمح لي الإخوة أعضاء مجلس النواب؛ فإذا كنتم تطالبون بجدول زمني لإنجاز المشاريع الحكومية، وهو مطلب جيد، إذا كان كذلك فنحن كمواطنين أيضاً نطالبكم بجدول زمني واضح ودون تأخير في ترتيب أولوياتكم وفي مناقشة القوانين المتأخرة، وأحسبكم ستمرون بذات الظروف التي مر بها أعضاء سابقون من ناحية ازدحام المشاريع والقضايا، وتقرير ديوان الرقابة، والميزانية العامة للدولة.
ما تطالبون به الحكومة أنتم لا تطبقونه على مجلسكم، وهذه حقيقة، بل إذا وضعنا برنامجاً للقياس، ستتفوق عليكم الحكومة في الإنجاز، هذا كان واضحاً في المجالس السابقة، حتى أصبح الناس يملون من موضوع تأخر القوانين التي يعلوها الغبار في المجلس، ويتم ترحيلها إلى مجالس أخرى، هذا موضوع مقلق جداً.
ألا تجدون كمجلس نواب أنكم تطالبون الحكومة بشيء أنتم أنفسكم تخلون به؟
بعض المزايدات الحالية ستفضي إلى تأخير في التنمية، وفي إقرار البرنامج، وبالتالي ستتأخر المشاريع لأنكم أنتم تأخرونها في مجلسكم.
ناهيك عن قدوم موضوع أهم وأكبر من موضوع برنامج عمل الحكومة، وهي الميزانية العامة، وقبل الميزانية أنتم وعدتم الناس بأنكم ستناقشون تقرير ديوان الرقابة المالية..!
فكيف سيحدث كل ذلك؟ وكيف ستحاسبون من وردت عليهم تجاوزات في تقرير ديوان الرقابة المالية؟
هناك من يفتقد إلى خارطة الطريق، نعم نحن كصحافة وكمواطنين نطالبكم بأن تراجعوا برنامج عمل الحكومة بشكل دقيق، وأن تقترحوا ما ترونه غير متوفر في برنامج عمل الحكومة، لكن الخوف من الدخول في نفق المزايدات من بعض الأعضاء، ومن عامل الوقت الذي هو ليس في صالحكم أنتم قبل غيركم.
أتمنى أن تطبقوا على أنفكسم برنامج قياس الإنجاز، بالمواقيت، وبجدول زمني، أنتم تطالبون الحكومة بشيء تفتقدونه كمجلس نواب، هذه حقيقة واقعية، وسنذكركم بما نقول مع مرور الوقت.