الرأي

أمك.. ثم أمك.. ثم أمك

بنادر


نحن جيل تربى على حب الأم، سواء عبر القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية أو الأغاني التي تتحدث عن هذا الحب الفطري الإنساني العظيم، حيث لا يمكن أن يكبر ويترعرع الإنسان دون حب الأم المتدفق بالرعاية والحنان.لهذا ما أن نرى أية قصة تتحدث عن الأم إلا وقمنا بحفظها وروايتها لأصحابنا، وأرى أن شخصية الإنسان الحقيقية لا بد وأن فيها من حب الأم الكثير الكثير.
قبل فترة التقيت بقصة الأمين، أم الزوج وأم أبناء الزوج، وأحببت أن أنقلها لكم، ربما تعلمنا معنى المحبة الطبيعية الخالصة لوجه الله بين الأم والأبناء، تقول الحكاية.. كان هناك عرب يسكنون الصحراء طلباً للمرعى لمواشيهم، ومن عادة العرب التنقل من مكان إلى مكان حسب ما يوجد العشب والكلأ والماء، وكان من بين هؤلاء العرب رجل له أم كبيرة في السن وهو وحيدها، وهذه الأم تفقد ذاكرتها في أغلب الأوقات نظراً لكبر سنها، فكانت تهذي بولدها فلا تريده يفارقها، كان هذارتها (تخريفها) يضايق ولدها منها ومن تصرفها معه، ويرى أنه يحط من قدره عند قومه، هكذا كان نظره القاصر. في أحد الأيام أرادت قبيلته أن ترحل لمكان آخر، فقال لزوجته: «إذا شدينا غداً للرحيل اتركي أمي بمكانها واتركي عندها زاداً وماء حتى يأتي من يأخذها ويخلصنا منها أو تموت!».
فقالت زوجته: «أبشر سوف أنفذ أوامرك».
وشد العرب من الغد ومن بينهم هذا الرجل، وتركت الزوجة أم زوجها بمكانها كما أراد زوجها، ولكنها فعلت أمراً عجباً؛ لقد تركت ولدهما معها مع الزاد والماء (وكان لهما طفل في السنة الأولى من عمره وهو بكرهما وكان والده يحبه حباً عظيماً، فإذا استراح في الشق طلبه من زوجته ليلاعبه ويداعبه)، سار العرب، وفي منتصف النهار نزلوا يرتاحون وترتاح مواشيهم للأكل والرعي، حيث إنهم قد ساروا منذ طلوع الشمس.
جلس كل مع أسرته ومواشيه، فطلب هذا الرجل ابنه كالعادة ليتسلى معه، فقالت زوجته: «تركته مع أمك، لا نريده».
قال: «ماذا؟»، وهو يصيح بها.
قالت: «لأنه سوف يرميك بالصحراء كما رميت أمك». فنزلت هذه الكلمة عليه كالصاعقة، فلم يرد على زوجته بكلمة واحدة، لأنه رأى أنه أخطأ فيما فعل مع أمه، أسرج فرسه وعاد لمكانهم مسرعاً عساه يدرك ولده وأمه قبل أن تفترسهما السباع، لأن من عادة السباع والوحوش الكاسرة إذا شدت العربان عن منازلها تخلفهم في أمكنتهم فتجد بقايا أطعمة وجيف مواش نافقة فتأكلها.
وصل الرجل إلى المكان وإذا أمه ضامة ولده إلى صدرها مخرجة رأسه للتنفس، وحولها الذئاب تدور تريد الولد لتأكله والأم ترميها بالحجارة، وتقول لها: «اخزي (ابعدي) هذا ولد فلان».
عندما رأى الرجل ما يجري لأمه مع الذئاب قتل عدداً منها ببندقيته وهرب الباقي، حمل أمه وولده بعدما قبل رأسها وهو يبكي ندماً على فعلته، وعاد بها إلى قومه، فصار من بعدها باراً بأمه لا تفارق عينه عينها. وزاد غلاء الزوجة عند زوجها، وصار إذا شدت العرب لمكان آخر يكون أول ما يحمل على الجمل أمه ويسير خلفها على فرسه.
إذا أردت من الله أن يفتح أمامك أبواب الرزق والسعادة والخير والرضى عليك بحب أمك ورعايتها والاهتمام بها، فهي القناة التي أوصلتك الدنيا.