الرأي

حبة العنب.. قبر الجزيرة الرابعة

نبضات


يقال: «إن التاريخ لا يعيد نفسه كما يشاع، ولكن الإنسان يكرر غباءه». فهل يستحق التاريخ منا تقليب بعض صفحاته وتأملها جيداً، لنستقي منه دروساً وعبراً ولكي لا نقع في نفس المصيدة مرات عديدة؟!
إيران.. ملف ضخم في التاريخ العربي القديم والحديث، وتزداد ضخامته في فصل التاريخ المعاصر، نبدأ قراءة إحدى محطاته تحت عنوان «احتلال الجزر الإماراتية الثلاث»؛ طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، التابعة لرأس الخيمة والشارقة، كان ذلك في نوفمبر 1971، إذ ضجّ إثر ذلك الوطن العربي احتجاجاً على الاحتلال؛ فقطعت العراق علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وبريطانيا ودعت لعقد مجلس الأمن الدولي، فيما أممت ليبيا -في الحين الذي كانت تعتزم إرسال قواتها للخليج- حصتها في شركة «بريتيش يتروليوم» وسحبت أرصدتها من البنوك البريطانية.
إلاَّ أن سياسة الأمر الواقع المفروضة كانت أقوى من كل ردود الأفعال التي جاءت جرّاء احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وما زال الحق الإماراتي والعربي في تلك الجزر منتهك حتى يومنا هذا، ورغم التقارب الاقتصادي الإماراتي الإيراني، لم تفلح الإمارات العربية المتحدة كذلك باسترجاع حقها في تلك الجزر.
«الانسحاب البريطاني العسكري من الخليج» ملف غاية في الأهمية، سبقه التدخل الأمريكي السافر في المنطقة منذ ذلك الحين، وتمثيلها لدور اللاعب الرئيس على الأراضي الخليجية، ما دعا لظهور فكرة «الشرطي» أو «الحارس» لحفظ المصالح الغربية في المنطقة، بما يملأ الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب، ورغم إن إسرائيل كانت المرشح الأول للعب هذا الدور ومن ثم فرنسا وبعدها الهند إلاَّ أن أسباباً منطقية وضعتها الإدارة الأمريكية كانت كفيلة باستبعاد تلك الخيارات.
في الجانب الآخر ما زالت أحلام الشاه تغازل البحرين، ولطالما راودتها سياساته وتصريحاته عن نفسها علانية، وهو أحد الأسباب التي جعلت إيران الأنسب لملء الفراغ، وحماية المصالح الغربية في الخليح العربي، بعد مباحثات سرية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، تمخض عنها الاتفاق على تنازل إيران -الوقتي- عن البحرين وإعلان الأخيرة استقلالها، مقابل الجزر الثلاث الإماراتية، والتي احتلت من قبل إيران المدللة قبل يوم واحد فقط من الانسحاب العسكري البريطاني من الخليج.
من جهة أخرى.. استغلت الولايات المتحدة الادعاءات الإيرانية في البحرين لتمكين أسطولها من الاحتفاظ بقاعدة «الجفير» بعد خروج البريطانيين منها.. وما زال الاستغلال الأمريكي للبحرين ينتهك سيادتها وتاريخها ومستقبلها وخيراتها، بل يغتصبه عياناً، والأعين حائرة.!!
السؤال المهم في الأمر.. في ظل ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية من هبات وفيرة وارفة لخليلتها الإيرانية، في سبي معلن للأراضي العربية ومن عليها، وإخضاعها لسطوة إيران، وفي ظل الحلم الإيراني المفعم بالحياة والغني بأدوات الشر وحيله، ومع الدعم الأمريكي السخي الخاطب لود إيران، أولا يمكن أن تكون البحرين حبة العنب الرابعة في الأفواه الإيرانية؟ لقمة سائغة هنيئة مريئة تلحقها دماء من على الأرض نبيذاً بشرياً فاخراً؟ باعتقادي.. إن البحرين قطعة بازل رائعة تقلبها إيران بين أصابعها بمتعة عارمة، فيما تتأمل لوحتها السيادية وما تبوأه للبحرين منها.
إن المراجعة الجادة لتاريخ المنطقة والاستفادة من أدواته اليوم، تجنبنا أن نقبر الجزيرة الرابعة، وأن يكون ذكرها في صفحاتنا ماضياً جميلاً لا أمل في عودته شأنه شأن سابقاتها، نزرع حولهن ورود الأمل ونطلق عصافير الدعوات بالرحمة والعودة تحلق من حولها بخجل وانكسار دونما مواقف ثابتة تعيد الحق. إن العائلة الجغرافية الخليجية لا بد أن تبرهن قوتها، وتحافظ على نفسها من أي انقسام أو صراع مميت.
نبضة..
لكي يبقى الخليج العربي.. لا بد أن يبقى كاملاً.. شامخاً.. دونما بتر ينتهك كرامته ويمرغ بعزته التراب.