الرأي

حكاية الأضرحة والفتاوى الطائفية

حكاية الأضرحة والفتاوى الطائفية







استخدمت الأضرحة من قبل مرجعية الحوزة الصفوية وسيلة دعائية بالغة الأهمية لتقوية عقيدتهم في نفوس معتنقيها، حيث وكما هو معلوم أن المرجعية تعتمد تقوية العقيدة في نفوس أتباعها ولا تعمل على صحة هذه العقيدة من عدمها، لهذا شككت بالقرآن واعتبرته حمال أوجه لكي لا تحاجج به. كما إنها لم تعتبر السنة الشريفة محصورة بما أقره النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل، إنما أشركت فيها أقوال الأئمة وأفعالهم وتقاريرهم أيضاً، ولهذا تجد كتب الحديث الثمانية نادراً ما تنقل حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم، رغم أن كثيراً من رواة الأحاديث الذين تستند إليهم مجهولون، وبعضهم متهم عندهم بالكذب وآخرون منهم متهمون بالانحراف، كالخطابية على سبيل المثال، كما إن الكثير من الأحاديث مقطوعة المصدر أيضاً، وهذا ما شهد به العديد من مراجعهم كالخوئي وخامنئي وكمال الحيدري وآخرين منهم.
لقد وظفت أضرحة آل البيت رضي الله عنهم عبر التاريخ أبشع توظيف في الصراع السياسي الذي خاضته حركاتهم السياسية مع الدولة الإسلامية، منذ العهد الأموي مروراً بالدولة العباسية والدولة العثمانية، وما أعقبهما من دول في العراق وغيرها، فكلما قاموا ضد دولة أو نظام جعلوا من حماية الأضرحة أو المطالبة بإدارتها حجة لتمردهم. وهذا ما شاهدناه في العقود الأخيرة؛ حيث طالب عدد من قادة حركاتهم السياسية ومراجعهم الدينية بجعل الأضرحة التي في العراق تحت حماية الأمم المتحدة، بل إنهم تجاوزوا إلى أبعد من ذلك؛ فقد طالبوا بوضع المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة تحت إدارة الأمم المتحدة أيضاً. ومن غرائب صنعهم تجدهم يلعنون الخليفة العباسي المتوكل متهمين إياه بهدم قبر سيدنا الحسين «سنة 236هـ»، ويحملون أهل السنة عموماً تبعات ذلك الحدث، ولكنهم يتغاضون عن ذكر ما فعله القرامطة «سنة 317هـ» بالمقدسات الإسلامية والشيعية.
ويلعنون الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب وعموم أهل السنة والجماعة متهمين إياهم بمعاداة أهل البيت لمهاجمتهم مدينة كربلاء سنة «1013هـ»، ولكنهم يتناسون ولا يذكرون أنه في سنة «858 هـ» استولى أمير الأحواز علي بن محمد بن فلاح الموسوي المشعشعي على كربلاء ونهب ضريح سيدنا الحسين وقتل أهلها وأسر من بقي منهم، وسكوتهم فقط لأن علي المشعشعي كان من أسرة تعتنق نفس عقيدتهم.
ولا يذكرون أيضاً أنه في سنة «1013 هـ» غزت قبيلة آل مهنا كربلاء بزعامة أميرها ناصر بن مهنا، وبسطت زعامتها على المدينة 40 عاماً، وذلك لأن الكثير من أبناء هذه القبيلة أصبحوا فيما بعد على نفس عقيدتهم، وهناك حوادث مماثلة أخرى تعرضت لها أضرحة أهل البيت في إيران على أيدي الملوك القاجاريين والبهلويين، وحتى في عهد النظام الحالي أيضاً، حينما قامت المخابرات الإيرانية سنة 1994 بتفجير قنبلة في ضريح إمامهم الثامن علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد، ووجهت أصابع الاتهام إلى المعارضة بالوقوف وراء ذلك التفجير، ولكن بعد خمس سنوات على تلك الحادثة خرج أكبر كنجي الذي كان من قادة حرس الثورة ومن عناصر الاستخبارات -سابقاً- ليقول في لقاء له مع جريدة «آريا» الصادرة في يوم 4/12/99: إن الاستخبارات هي من دبرت تلك الحادثة لتلقي بتبعتها على المعارضة، ثم بعد ذلك حمل القضاء العسكري الإيراني حادث ذلك الانفجار إلى ما أسماه «عصابة سعيد إمامي» الذي كان نائباً لوزير الاستخبارات الإيرانية في عهد رئاسة محمد خاتمي «1997-2005».
اليوم يكرر التاريخ نفسه؛ فالجميع يتذكر كيف تواطأت المرجعية العليا سنة 2004 مع القوات الأمريكية لضرب عناصر ميليشيات جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر، والذي كان يريد السيطرة على مدينة النجف التي تحتضن الضريح المنسوب لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، انتقاماً لدم أبيه الذي اتهم المرجعية بالتآمر على قتله سنة 1999، ففي أغسطس 2004 وعندما كانت الدبابات الأمريكية على أبواب النجف تمارض المرجع الأعلى فجأة وذهب إلى لندن ودخلت القوات الأمريكية إلى النجف وقصفت بمدافعها منارة الضريح المقدسة وحرثت مقبرة وادي السلام المقدسة التي تعد أكبر مقبرة في العالم. ورغم كل ما جرى إلا أن موقف المرجع الأعلى وحوزته هو صم بكم عمي.
لكن اليوم عندما انتفض العراقيون ضد حكومة المالكي الطائفية، أصدرت المرجعية فتوى القتال ضدهم دفاعاً عن حكومة المالكي الطائفية، تحت غطاء الدفاع عن الأضرحة المقدسة، شأنه في ذلك شأن الولي الفقيه الإيراني الذي أرسل قواته للدفاع عن نظام بشار تحت غطاء حماية الأضرحة المقدسة في سوريا.