الرأي

لا يستوي المريض الغادر والمخلص الأمين..!

أبيض وأسود

لم تفارق مخيلتي صورة ذلك المسن المقعد الذي جاء ليصوت في الانتخابات رغم مرضه، فصورته وهو يقبل جواز سفره بشكل عفوي جميل ومعبر ورائع جعلت عيون أهل البحرين تدمع، وجعلنا نقول في أنفسنا؛ هؤلاء أهل البحرين الطيبون.
هو رجل بسيط، لباسه بسيط، ولا أعلم عن حاله، لكنه يبدو من أصحاب الحال البسيطة، لكن ما فعله هذا الرجل أعطانا جميعاً درساً في الوطنية والانتماء وحب الوطن، وحب شعار الوطن، وحب جواز السفر الذي يعبر عن هويتنا، في وقت كان هناك من يمزق هذا الجواز ويضعه تحت رجله، وهو لا يستحق حمل الجنسية البحرينية.
هؤلاء هم أهل البحرين الحقيقيون، قد يكون حالهم ضعيفاً، لكنهم لا يتاجرون بحالتهم تلك، بل أنهم يدعون بالخير وطول العمر لقادة البلد، حتى وإن لم يلتقوا بقادة البلد يوماً.
صورة تلك المرأة التي أتت بجهاز التنفس الخاص بها، صورة معبرة وجميلة وتظهر حرص أهل البحرين على تلبية نداء الوطن، حين أراد الخائن المنتمي إلى إيران أن يقاطع الانتخابات أملاً في فشلها.
أعرف أن هناك غير هاتين الصورتين الرائعتين، وأعرف أن هناك من ذهب وهو مريض، وهناك من ذهب وهو بسن كبيرة، وهناك من كان مقعداً ونال منه المرض، لكنه ذهب ليصوت لأن المنادي كانت أمنا البحرين، ولأن معدن هؤلاء هو معدن أهل البحرين الحقيقيين.
كل الشكر والتقدير والمحبة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد -حفظه الله- على تكريمه للرجل المسن الذي قبل جواز سفره في مجلسه أمس، فتقدير سمو ولي العهد هو التكريم الذي يسعد نفوس أهل البحرين أمثال ذلك الرجل.
لفتة جميلة وطيبة من سمو ولي العهد، وفي تقديري الشخصي أن أمثال هذا الرجل وأمثال النساء اللاتي ذهبن وهن في حالة مرض، هؤلاء الذين يجبر أن نراهم في مجالس قادة البحرين بدل الوجوه التي اعتدنا عليها.
هؤلاء رغم حاجتهم أو وضعهم البسيط لا يطلبون شيئاً حتى وإن قيل له ماذا تحتاجون، دائماً يقولون نحن نطلب من الله أولاً، وقد لا يحصلون على أمور كثيرة تخصصها الحكومة للمواطن، وتذهب تلك الخدمات لمن لا يستحقها، لكن معدنهم يظهر في الظروف الصعبة، ولا يقولون ماذا أعطتنا البحرين أبداً.
من هنا أشكر سمو ولي العهد على تكريمه وكلامه وحديثه الجميل مع الرجل البحريني الذي يعبر عن طيبة وإحساس ووطنية أهل البحرين. قبل أن أكتب هذا العمود شغلتني أمور كثيرة وددت أن أتطرق إليها في عمود اليوم، غير أنه لم يكن لي أن أتجاوز موقف الرجال والنساء الذين ضربوا أمثلة جميلة حين ذهبوا للتصويت رغم معاناتهم وألمهم وضعف حالهم.
أتوقف عند خبر فصل راتب الزوج عن الزوجة لتفعيل طلبات الإسكان، وهذا القرار الذي اتخذه سمو رئيس الوزراء حفظه الله من بعد رجوعه بالسلامة، وهذا الخبر أفرح أناساً كثيرين، ونتمنى أن يطبق سريعاً، ودون أن يحرم الناس من خدمة الإسكان، التي أصبحت (بحسب رأيي الشخصي) تذهب إلى غير مستحقيها.
ليس بعيداً عن خبر فصل راتب الزوج، فقد قال سمو رئيس الوزراء أمس في مجلسه العامر إننا يجب أن نشكر شعبنا الذي وقف هذه الوقفة (الوقفة الشعبية التي خرجت ترحب بعودة سموه، والوقفة الوطنية بالانتخابات) وأن أول ما يجب أن نقدمه هو أن نحفظ أمن الوطن، فلا شيء يأتي قبل الأمن، فهو المحك للحياة وللاقتصاد والتجارة.
وأعتقد أن ما تفضل به سموه هو أهم مطلب اليوم، فالأمن من بعد توفيق الله هو الحياة والذي يحفظ الأعراض ويحفظ الأموال والأنفس. أذكر في أحداث 2011 كانت تأتيني اتصالات من كل حدب وصوب من أهل البحرين، الغالبية كانوا يقولون لي، لا نريد شيئاً، فقط نريد الأمن، ونريد الأمان، ونريد أن ترجع البحرين كما كانت، لا نريد شيئاً غير هذا.
أعتقد أن أهل البحرين الحقيقيين يستحقون الكثير، نعم نحب وطننا، ويجب علينا أن نقف وقفة صادقة مع وطننا، هذا لا نقاش فيه عند أهل البحرين الحقيقيين وقد أظهر التجارب مواقفهم، لكن في اعتقادي أن أهل البحرين الحقيقيين يستحقون التقدير الحقيقي، ويستحقون أن تقدر الدولة مواقفهم.
من اليوم فصاعدا لا يستوي من يحب وطنه، ويغدر بوطنه، من يسير خلف فتوى دينية مأزومة وموتورة، فليذهب إليه ليحصل على الخدمات، من اليوم فصاعداً يجب أن يفعل ختم الجواز للمشاركة في الانتخابات للحصول على أولوية الخدمات.
من اليوم فصاعداً يجب أن تطلب كل الجهات الرسمية الخدمية بما فيها تمكين وبنك التنمية تحديث البيانات التي تعتمد ختم الانتخابات، هذا الأمر يجب أن يفعل، فلا يستوي من يغدر بالوطن ويستجيب لدعوات مريضة يراد منها النيل من البحرين خارجياً، مع من يخلص لوطنه ويقوم بواجبه الوطني.
الإسكان، والبعثات، وبدل التعطل، والوظائف، وتمكين، ومعونة الغلاء، وكل الخدمات والمعونات التي تقدمها الدولة، يجب أن تقوم كل تلك الجهات بطلب تحديث البيانات من أجل ألا يستوي المواطن المخلص، والمواطن الذي يريد إظهار فشل الانتخابات من أجل تدخل خارجي.
الحمد لله على هذا النجاح الباهر للانتخابات، وهذا بفضل من الله أولاً، ومن ثم بفضل إرادتنا الوطنية، أما من يعانون من الأمراض الطائفية المزمنة، ومن يرون الأمور دائماً مقلوبة، فلنتركهم في حروب الأرقام، ودوامة الفشل والخيبات، والهزائم التي تتوالى يوماً بعد آخر.