الرأي

لماذا تستثنون هؤلاء؟!

أبيض وأسود


لا يمكن لأي عاقل متدبر وقارئ للأحداث التي نمر بها إقليمياً؛ إلا أن تشغله أسئلة يكاد الإنسان يقف أمامها حائراً متعجباً.
الإنسان صاحب الفطرة السليمة هو بطبيعته رافض للإرهاب والترهيب من أي مصدر كان، ومن أي دولة أو جماعة أو طائفة، فلا أحد يمكنه أن يقف مع الإرهاب الذي يقتل الأبرياء دون ذنب، سواء كان إرهاب داعش أو إرهاب الجماعات والمليشيات الإرهابية الشيعية التي قتلت المصلين في المسجد بمحافظة ديالى.
كلا الإرهابين مذموم، غير أن الأكيد أن هناك إرهاباً جاء نتيجة إلى إرهاب موجه استهدف أناساً أبرياء، وبالتالي خرج إرهاب يقابله، وهذا ما حدث في العراق تحديداً من بعد أن وصل حزب الدعوة الشيعي للحكم.
ما يفكر فيه الإنسان حول منطق الأحداث؛ سيقول لماذا تحركت أمريكا اليوم لقيادة حملة ضد إرهاب داعش ولم تتحرك ضد إرهاب بشار الأسد؟
إرهاب بشار الأسد جاء أولاً، وكنتيجة خرج تنظيم داعش الذي يقول عنه البعض إنه صناعة إيرانية لإفشال الثورة السورية، وحتى يوصم الإرهاب بأهل السنة والجماعة.
أمريكا ذهبت إلى أفغانستان لمحاربة تنظيم متطرف سني وشنت الحروب والغارات، وكذلك فعلت في اليمن، لكنها في اليمن لم تقصف ولا مرة واحدة جماعة الحوثي التي تسببت في حروب، واليوم تحتل صنعاء.!!
الغرب تدخل في ليبيا بقصف وبحرب جوية، وهذه ليبيا أمامكم اليوم، كل هذه الحروب إنما كان يقصد منها ضرب ما يسمى بالإرهاب السني، لكن الغرب لم يشن ولا حرباً واحدة ضد الإرهاب الشيعي، رغم ما يزعم به حزب الشيطان في لبنان مثلاً من أنه يحارب الصهاينة، فلم تستهدفه أمريكا ولا مرة واحدة.
إرهاب بشار الأسد في سوريا يستمر لمدة أربعة أعوام، وهو إرهاب تحالف سوري -لبناني -إيراني -عراقي، حتى أعلن حزب الشيطان أنه أرسل مقاتليه إلى سوريا فلم يتحرك أحد من الغرب لينكر ذلك..!
يا ترى ما هو السبب في أن الغرب يرى بعين واحدة؟
قرأت مقالة نشرت قبل أيام لوزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر بعنوان «أمريكا منهكة استراتيجياً.. فمن سيملأ الفراغ؟». فماذا قال في المقالة..؟
قال يوشكا فيتشر في مقالته: «إن الأزمة في العراق، والعنف المروع للدولة الإسلامية هناك وفي سوريا، هو إلى حد كبير نتيجة لعدم التدخل الغربي في الحرب الأهلية السورية، وبأن نتائج عدم وجود قوة مركزية فاعلة في العالم تبدو واضحة الآن، حيث هناك كارثة إنسانية وتحدٍّ خطير بإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط العربي».
وفي ضوء هذه النتيجة، استغرب وزير الخارجية السابق من الجدل في أوروبا حول تسليح الأكراد. وقال: «أمام أعيننا، الدولة الإسلامية تهدد بقتل أو استعباد جميع أفراد الأقليات الدينية والعرقية الذين لا يقومون على الفور باعتناق الإسلام أو الفرار. لا يجب أن يراقب العالم داعش وهي تهدد بالإبادة الجماعية، واتخاذ إجراءات هو واجب أخلاقي. الأسئلة التي تتعلق، على سبيل المثال، بما سوف يحدث للأسلحة بعد انتهاء القتال، هي أسئلة ذات أهمية ثانوية الآن». انتهى الاقتباس.
هذا وزير الخارجية الألماني السابق يقول إن ما يحدث من إرهاب في العراق، وإن التحالف الذي يتم الآن لمواجهته كان بسبب تخاذل الغرب عن مواجهة الإرهاب في سوريا.
أما الصورة التي لا يتحدث عنها الوزير والغرب بشكل عام، فهي أن كل هذه التحالفات وكل هذه الحروب قامت وتقوم ضد تنظيمات متطرفة سنية، ولا تقوم ضد تنظيمات متطرفة شيعية، ولهذا الأمر دلالات كثيرة تؤكد أن هناك تحالفاً خفياً بين الغرب وإيران من جهة ضد الدول الإسلامية السنية، وأن هناك أهدافاً مشتركة في إظهار أن الإرهاب يأتي فقط من المتطرفين السنة.
أوباما طلب أن يواجه إرهاب داعش من الدول السنية والقوى السنية في العراق، لكن الرئيس الأمريكي لم يتطرق ولا مرة واحدة لإرهاب الدولة في العراق ضد أهل السنة والجماعة، وإرهاب المليشيات التي تبيد وتغتصب وتهجر السنة.
كل ذلك غير مرأي للغرب ولا للرئيس الأمريكي، مجزرة مسجد ديالى لم يتحدث عنها أحد في البيت الابيض، لكن البيت الأبيض أرسل طائراته محملة بالمساعدات لليزيديين في شمال العراق، انتفض الغرب لجماعات صغيرة (ونحن لا نؤيد إبادة أو تهجير أي إنسان كان) إلا أن اختلال المقاييس أصبح ظاهراً ولا تخطئه العين.
كل حروب الغرب حدثت ضد إرهاب سني، ولم تشن ولا حرب واحدة ضد الإرهاب الشيعي، رغم أنه واضح وضوح الشمس، في سوريا ولبنان والعراق وإيران.
من يريد أن يحارب الإرهاب فليحارب كل الإرهاب، ولا يجزئه ويقسمه إلى إرهاب مسكوت عنه، وإرهاب يوضع تحت المجهر، فكلا الإرهابين ممقوت ومرفوض ولا يمكن تبريرهما.