الرأي

اصنعوا لنا «نجوماً»!

اتجاهات



مازلت أتذكر جرأة بعض الأفلام الأمريكية الشهيرة في كشف كثير من أسرار إدارة الدول العظمى على رأسها الولايات المتحدة، مازلت أتذكر الكشف عن أساليب عمل مبتكرة في فنون الإدارة وصناعة القيادات وما يقترن بها بشأن النظرة المتقدمة للمستقبل.
لعل هناك كثيرون يتذكرون جزأي فيلم «الجماجم» الشهير، والذي يتحدث عن المنظمة السرية الخفية المقترنة بأعرق الجماعات الأمريكية، وكيف يتم انتقاء أصحاب القدرات والمواهب والأذكياء ليتم إخضاعهم لبرامج إعداد متقدمة بهدف أن يكونوا قادة في المستقبل في كثير من القطاعات.
هي أفلام تابعناها، لكنها تحكي واقعاً حقيقياً، منه تم تخريج عديد من الشخصيات التي تأتت لها قيادة حتى الولايات المتحدة وجيوشها وقطاعاتها الحيوية.
ما جعلني أستذكر كل هذا نقاش كنت أحد أطرافه بالأمس بين مجموعة أصدقاء منهم شباب يمسكون بمواقع مسؤولية في الدولة، والإيجابي فيه ذلك الإجماع بشأن ضرورة النظرة الدقيقة للمستقبل، وما تحتاجه البحرين في سعيها للبناء والتطوير.
قال أحدهم إننا نحتاج إلى صناعة نجوم، وهنا لم تلمع عيناي فقط، بل وقفت عندها طويلاً، إذ بالفعل هذا علاج مؤثر وقوي ومضمون لكثير من علاتنا، البحرين تحتاج فعلاً أن تصنع نجومها الخاصين.
اعتدنا منذ زمن طويل أن ندير أمورنا في الدولة، سواء في شأن الإدارة أو التطوير والتخطيط وقبله حتى التفكير بالاستعانة بطاقات أجنبية أو عربية، أي استقطابات من الخارج، ورغم أن هذا التوجه آخذ في الانحسار، فإن إبدال الأجنبي بالمواطن لا يكفي فقط لنقول إن حراكنا بحريني وتطورنا بحريني، وإن عملنا بالكامل بحريني، إذ المطلوب أن تكون نهضتنا وتطوراتنا نتيجة حراك وعمل «نجوم» بحرينية.
هنا نتحدث عن صناعة النجوم، وكيف أننا نحتاج بالفعل كدولة أن نصنع النجوم الذين يمكنهم أن ينهضوا بالدولة ويطوروها ويكونوا أدوات بناء ومصادر إلهام حتى للأجيال التي ستعقبهم، عبر قصص نجاح سليمة في تنظيمها وتخطيطها وتنفيذها ومخرجاتها.
الدولة هي المسؤولة عن ذلك، فنهضة أي مجتمع تكون بأبنائه المؤهلين، وهنا تكمن الفكرة في البحث عن المواهب والطاقات والقدرات منذ صغرها، والعمل على صقلها وتهيئتها بصورة صحيحة والتمهيد لدخولها معترك العمل وفق أسس مدروسة ومنظمة بحيث تتحول هذه المخرجات إلى قيادات تقود المجتمع ذات يوم، وتعمل هي بدورها على نقل الخبرة، لا الخبرة العملية قبل أن تنقل خبرة الصقل والبناء وصناعة النجوم.
أحسب لسمو ولي العهد حفظه الله تفكيره في هذا الاتجاه، ويتجلى ذلك واضحاً عبر برنامجه المخصص للطلبة المتميزين عبر الابتعاث الخارجي للدراسة وبطريقة متقدمة وأكثر تركيزاً في الصقل والتطوير ومن ثم اتباع ذلك بإحلال المخرجات في أماكن يعول عليهم فيها. وهنا قد توجد بعض الملاحظات، وهذا أمر طبيعي فأي تجارب جديدة هي معرضة لتحقيق إيجابيات وحصد سلبيات، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح بالفعل.
هذا كنموذج يقرب الفكرة، لكن الهدف مما نقول أن يكون التوجه مركزاً منذ مراحل مبكرة على البحث عن هذه الطاقات، في المدارس والجامعات وحتى في مواقع العمل، لنعمل على اكتشافهم واحتضانهم وتهيئة الأجواء المناسبة لهم بالصقل والتدريب والتعليم والتهيئة، هذا استثمار من الاستحالة أن نخسر فيه أبداً، في المقابل الربح فيه ربح كبير لأي دولة تنجح في صناعة قياداتها المستقبلية على أسس صحيحة لتقف مستقبلاً وتعمل على أرضية صلبة لأجل رفعة وطنها.
والله ليست أحلاماً، بل معادلات لها مدخلات ولها مخرجات ونتائجها مضمونة تماماً طالما أن الاختيار يقع على من يستحق ومن يمتلك القدرة ليتطور ويبدع في تطوره.