الرأي

تأملات في ذكرى حرب أكتوبر «2»

تأملات في ذكرى حرب أكتوبر «2»



انتصر صوت المزورين ومبتكري المصطلحات من الإعلاميين والمثقفين والسياسسين، فوجدنا شعارات ومصطلحات دول الرفض ودول المقاومة ودول الممانعة ودول الصمود، وظلت تلك الشعارات تخدع الجماهير وتدغدغ مشاعرها، في حين اتجهت إسرائيل للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية. ولم تبن قوى المقاومة الوهمية أية قوة عسكرية ولا قوة سياسية ولا نظاماً سياسياً ديمقراطياً ولا قوة اقتصادية، إنما بنت قصوراً من الأحلام والأوهام، وعاشت شعوبها المؤدلجة في تلك القصور ذات الأحلام الوردية، حتى جاءت حركات وانتفاضات ما سمي بـ «الربيع العربي» في الدول ذات النظم الجمهورية الوراثية الفاسدة، فأطاحت بمعظمها ولاتزال البقية تقاوم بتدمير شعبها وإبادته بالبراميل المليئة بالمتفجرات وبالطائرات والصواريخ، التي لم نسمع أنها أطلقت صاروخاً واحداً على المحتل لأراضي تلك الدول، حتى عندما حلقت طائراته فوق قصور هؤلاء الحكام أو ضربت مصنعاً ادعت أنه للأسلحة النووية، بل الأغرب أن من ضربت أراضيه لم ينطق بكلمة إلا عندما أعلنت إسرائيل النبأ، بخلاف النظم الملكية الخليجية التي سارت في النهج التدريجي، ساعدها في ذلك ما حباها به الله سبحانه وتعالى من ثروات طبيعية أحسنت إلى حد كبير الاستفادة منها.
ولقد تناولت مفهوم الواقعية المصرية بعد حرب أكتوبر في كتابي المعنون «التيارات الفكرية في مصر المعاصرة» الصادر عام 1987، وكذلك في كتابي المشترك في التأليف مع المستشار بمجلس الدولة المصري الدكتور مجدي المتولي بعنوان «أثر حرب أكتوبر على الحياة العامة وتطور علاقات مصر الدولية»، والذي نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1994، حيث حللنا التطور السياسي الداخلي في مختلف المجالات والآفاق التي برزت بعد حرب أكتوبر واتفاقات كامب دافيد ومعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية في مجالي السياسة الخارجية والداخلية المصرية، وما اتسمت به السياستان من إصلاح وانفتاح ورشد واعتدال وعقلانية، حتى جاءت كارثة التوريث في مصر والفساد، فقضت على الآمال بنقلة نوعية إلى الوراء للأسوأ مما كانت عليه مصر قبل عام 1967، والتي كانت قيادتها آنذاك أمينة وصادقة وطموحة، بينما كان كثير من كوادرها قد غرر بهم وغرروا هم بقادتهم، مما أدى للهزيمة التي أشرنا إليها في يونية 1967.
وظل فيلسوف الهزيمة الإعلامي مستمراً في إصدارته الفكرية وفلسفاته لإظهار وإدعاء الحكمة بأثر رجعي بعدما عجز عن السيطرة على النظام الجديد الذي بدأ سليماً ثم اتجه للفساد والانحراف الفكري والسياسي، وإعادة سيطرة رأس المال على السلطة، فيما أطلق عليه تزاوج رأس المال مع الحكم، وردد المعارضون أو الواقعيون العقلانيون مقولة الفلاح المصري في الفيلم المبني على قصة «شيء من الخوف» للكاتب الكبير ثروت أباظة، بأن زواج المواءمة باطل باطل مثل زواج عتريس من فؤادة. وزاد البطلان زواج الدين مع السياسة مع الاقتصاد فهو أكثر بطلاناً، ومن هنا عادت القوات المسلحة إلى مساندة الشعب وتحركه ضد الكهنوت الديني وسعيه للتمكين بأسرع ما يمكن لمفاصل الدولة بأسرها، وهكذا أدركت القوات المسلحة ضرورة عدم مساندة الحاكم أو الولاء لنظامه الفاسد، وتحقق ذلك في ثورة 25 يناير 2011 ثم ثورة 3 يوليو 2013 تأييداً للتحرك الثوري الشعبي في 30 يونيو 2013.
ما ندعو إليه اليوم هو ضرورة الاحتفاء بحرب أكتوبر وإنجازاتها وما ترتب على ذلك الإنجاز العسكري من تطورات إيجابية في الحياة العامة وسياسة مصر الخارجية ذات الطابع الواقعي، قبل أن تتعرض للانحراف والفساد للأسف من قادة النظام نفسه، عندما اجتمع المثقفون لتأليه الحاكم والتسبيح بحكمة وعبقرية ولي عهده القادم في النظام الجمهوري، باعتباره الوريث غير الشرعي للحاكم غير الرشيد ولشجرة الدر التي عاشت أوهاماً وطموحات بناء أسرة ملكية وراثية، ليس بالإنجازت وإنما بالخداع الذي صوره لها المثقفون من مختلف المشارب، ونسوا تحذير زرقاء اليمامة التي أشارت لبوادر الهزيمة من العدو المتربص الذي يقترب من الديار، بل لقد أصبح داخلها، وهو عدو بالغ الخطورة له أدوات ثلاث؛ الجهل والفقر والمرض، الذي بلغت معدلاته أرقاماً قياسية في مصر في عهد ما قبل ثورة 25 يناير التي أطبقت عليها بعد ذلك ثورة مضادة لاختطاف الثورة الحقيقة التي قام بها شباب مصر الحر الواعي، وأيدها الشعب وساندتها القوات المسلحة، وعملت الثورة المضادة، كما أوضحت في كتابي المعنون «ثورة 25 يناير الأبعاد الداخلية والخارجية» المنشور بالقاهرة في أغسطس 2011. نقول سعت الثورة المضادة لإعادة مصر للوراء عدة قرون بالفكر اللاهوتي الذي ليس له وجود في الإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، والذي سار على نهجه الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم، والذين أبلوا بلاءً حسناً في الإسلام، وفي الحكم الذي عندما جاء إليهم طائعاً دون سعي منهم، ومع هذا فلم يستمتعوا بخيراته وإنما كانوا يكرروا «العياذ بالله» والتعبير عن الخشية من الله من إغراءاته وعثراته.
واليوم ندعو للرئيس المنتخب شرعياً، شرعية دستورية حقيقية وغير مزيفة بالخداع أو ملوثة بالمال والزيت والقمح الذي كان يتم تم توزيعه والخداع الفكري للجماهير ولبعض النخب المثقفة بأحلام السلطان العثماني الاستعمارية، نقول وندعو الرئيس عبدالفتاح السيسي أعانك الله، وليحذر من المنافقين والمخادعين وغير الأكفاء وغير المؤهلين للعمل والمناصب. فقد طلب عمر بن الخطاب عندما دنا من الوفاة اقترح ترشيح ستة أسماء من كبار صحابة الرسول للاختيار من بينهم حاكماً، ولم يترك الأمر لوراثة ابنه أو حتى ليكون له مجال للترشح مثل غيره من المواطنين، كما روج لذلك فلاسفة السياسة الخاطئة المنافقة في عهد ما قبل 25 يناير.
نقول ونكرر أن حزبكم أيها الرئيس عبدالفتاح السيسي هو الشعب المصري بأسره، وإن كوادرك هم من يعملون دون التطلع لمناصب أو مكاسب وأن تحذر المنافقين والمزيفين، وننصح بقراءة رواية يوسف السباعي «أرض النفاق» ورواية إبراهيم عبده «أرض نفاقستان»، ونستذكر إن بطل رواية يوسف إدريس المعنونة «يا أمة ضحكت» قال في إحدى المرات مخاطباً الجماهير المنافقة له «غدا ستخلدون ذكراي وستشيدون لي قبراً بين قبور عظمائكم، ولو بعث هؤلاء من الأجداث لقالوا لكم: أيها الحمقى كفى سخفاً، اصرفوا النقود التي شيدتم بها قبورا لتخليدنا على الفقراء من أحيائكم، فالفقراء يتضورون جوعاً، ويرتجفون عرياً، أيها الحمقي أحيوا أحياءكم خيرا من أن تحيوا ذكرى موتاكم». انتهى الاقتباس.
ومن هنا فإنني أشيد بالمشروع العظيم لقناة السويس الجديدة وببطولة القوات المسلحة الباسلة في الحرب الشاملة ضد الإرهاب، أياً كان مسماه وأياً كانت التبريرات الخاصة بأعمال الإرهابيين.
وندعو الله بالتوفيق للقيادة المصرية برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، نقول له احرص على إبعاد المنافقين والكذابين والغشاشين وغير الأمناء وغير الأكفاء، واستفد من الكفاءات العظيمة والقدرات الكبيرة لشعب مصر برجاله ونسائه وبشيوخه وشبابه، واحرص على الاستفادة من قوة الشباب؛ فإنهم قادة المستقبل، واستخدم ذوي الخبرة والكفاءة قبل أهل الثقة غير الأكفاء، وسر على خطى القادة المبدعين الذين غيروا أوضاع بلادهم من التخلف للتقدم ومن الفقر للازدهار، كما نقول له فليوفقك الله للسيرعلى خطى التراث الإسلامي الصحيح والتراث السياسي السليم لحرب أكتوبر والعاشر من رمضان.