الرأي

صراع المتناقضات في اليمن

صراع المتناقضات في اليمن








أعاد السقوط المريع للمحافظات اليمنية الواحدة تلو الأخرى بيد ميليشيا الحوثي، مسلسل الحرب الأهلية إلى واجهة الأحداث، ورغم أن هذا السقوط أو «التسليم» تم دون دماء حتى الآن، إلا أن القارئ لتاريخ اليمن يدرك تماماً أن الأسوأ لم يتكشف بعد، والحرب قادمة لا محالة.
إذ لم تكد المرحلة الأولى من إلباس اليمن عمامة موالي قم وطهران تنتهي؛ حتى بدأ الحوثي ومناصروه من أعداء الداخل والخارج يحضرون للمرحلة الثانية، في سباق مع الزمن، ومع أحداث تعصف بعموم المنطقة العربية.
المرحلة الأولى شهدت كبار القادة والساسة يسقطون في الفخ، طوعاً أو كرهاً، عبدربه منصور هادي باع نفسه، والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أعمى الانتقام والحقد عقله، فشارك هو الآخر في بيع الوطن للغاصب الجديد، باسم الثورة وباسم الشهداء.
في المرحلة الأولى أيضاً سقطت الأقنعة وتكشفت الوجوه، ورأينا معظم الحداثيين والليبراليين ومنظري الدولة المدنية الحديثة يختبؤون خلف الأبواب الموصدة، ويتحينون فرصة الانقضاض على نصيبهم من الكعكة، مستفيدين من محيط إقليمي يغلي، ومجتمع دولي يصم آذانه ويتعامى عن الحقائق.
المرحلة الأولى غيرت الخارطة السياسية في اليمن، فالمكونات الأربعة الرئيسة خاضت غمار التنافس غير الشريف على جثة الوطن الأم، وانتهى التنافس مؤقتاً باحتلال الحوثي لصنعاء، وخروج التجمع اليمني «الإصلاح» مقصوص الجناحين، فيما بقي في الميدان الحوثي يتصدر المشهد ويرسم مستقبلاً لعمائم قم وسط درة العواصم العربية، صنعاء، ينافسه باستحياء حزب الرئيس المخلوع وفريق رئيس الصدفة.
في الأسبوع الأول بعد سقوط صنعاء واستباحتها، بدأت تظهر معالم تحالفات المرحلة الثانية، وأبرز هذه التحالفات التعاون الميدني بين أتباع الرئيس المخلوع ومليشيا الحوثي، ومؤشرات التقارب بين رئيس الصدفة وجماعة الحوثي، عندما منح منصور هادي للحوثي صك براءة بإعلانه أن «صنعاء لم تسقط»، وموافقته ووزير دفاعه على إدخال عشرة آلاف مقاتل من مليشيا الحوثي في الجيش اليمني.
التقارب الأخير بين الحوثي ومنصور هادي، أثار حفيظة الحليف الآخر المخلوع، وبات يخشى على أوهامه باستعادة مجده المسلوب إبان ثورة 2011، فقرر علي عبدالله صالح الهجوم على الحوثيين والرئيس هادي مستخدماً ماكينته الإعلامية الضخمة، وتصاعدت حدة الخلاف حتى وعد أبو علي الحاكم الرجل الميداني الأول في مليشيا الحوثي، أنه سيقدم علي عبدالله صالح أضحية في صبيحة يوم العيد، مستدعياً حادثة قتل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتيمناً بأسياده في العراق وإيران.
هذا الصراع دفع الوسطاء من الطرفين لتدارك الأمر، ولعب دور البطل في الوساطة صاحب المسرحية الهزلية «السيارة المخطوفة» عبدالقادر هلال، وأعاد المياه إلى مجاريها، وخرجت التصريحات الملطفة للجو من الطرفين، واعتبر «فتى الكهوف»، المخلوع الذي شن عليه 6 حروب سابقة، صديقاً لثورتهم الشعبية المزعومة.
عودة التحالف المرحلي بين الحوثي والرئيس المخلوع، خربط الأوراق وخلخل موازين القوى، وأنهى آمال الرئيس هادي بالسيطرة والحكم وتطبيق مخرجات حوار الطرشان، والحليفان اليوم يلهثان وراء إسقاط المحافظات اليمنية، تمهيداً لصيغة معينة لاقتسامها بعيداً عن إرادة الشعب المغيبة.
الحوثي وبمكر إيراني معهود، أعاد الروح للحراك الجنوبي، وضخ الأموال لإحياء فكرة الانفصال، واستغلوا مناسبة 14 أكتوبر لتكون شرارة الانفصال الفعلية، وهذه اللعبة تتسق ورغبة علي عبدالله صالح في تقديم درس سياسي جديد لعبدربه منصور هادي، بعد أن استمات الأخير على مدى سنتين، للسيطرة على القيادات السياسية في الجنوب، وحاول تنصيب نفسه الرجل الأول هناك ولم يفلح، ليخرج في النهاية خالي الوفاض، وعاجز حتى عن حماية قصره، خسر الشمال ودمره، والآن يخسر الجنوب.
الرئيس هادي اليوم في مغامرة الفرصة الأخيرة، يحاول ترويج نفسه لدى دول الإقليم والعالم أنه رجل المرحلة في اليمن، أي بعبارة أدق يبحث عن شارٍ، يفكك عقدة الحبل الملفوف حول عنقه، ولكن المنافسون كثر، والعارضين أنفسهم للبيع بالسوق العالمية أكثر.
الرئيس هادي اليوم أمام فرصة إعادة لخبطة الأوراق، عبر تقديم استقالته والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، بدل مواصلة تقديم نفسه كغطاء لممارسات الحوثي، وشماعة يعلقون عليها أخطاءهم وجرائمهم، لحين انفصال الجنوب، واقتسام اليمن، وحينها يمكن إزاحة هادي بسهولة.
الصراع في اليمن لم يحسم، والرقاب لم تطوع بأيدي للحوثي بعد، والمواجهة بين ميليشيا الحوثي والقاعدة، أو مع أنصار الرئيس المخلوع لا بد آتية، والأيام حبلى بالمفاجآت.