الرأي

عمامة البغدادي وعمامة الخميني

كلمة أخيرة



لم تقف عمامة البغدادي ولا لونها ولا منبره الذي صعد عليه ولا لقبه الذي أطلقه على نفسه «خليفة المؤمنين» حائلاً دون أن تعلن كافة المؤسسات الدينية (السنية) الرسمية وغير الرسمية التبرؤ منه علناً، والأهم لم تقف حائلاً دون تبرؤ المثقف والكاتب والإعلامي والأكاديمي منه كذلك، كما لم تقف دون تبرؤ المجالس الشعبية والقبائل والعائلات منه، كل من موقعه تحمل مسؤوليته دون استثناء وصرح علانية برفضه واستنكاره وشجبه لهذا الفكر المتوحش، ولم تستجب له إلا بضعة من أفراد تعتبر مجموعة ضالة مغرر بها من بين الغالبية العظمى من السنة في العالم العربي بشكل عام ومن البحرينيين بشكل خاص.
ولم يكن التبرؤ والاستنكار عبر سطر عابر تبرئة للذمة، ولم يكن في مجالس خاصة وبتكتم، بل كان صوتاً مدوياً مكرراً صادحاً في كل منبر، كان محللاً وكان غائصاً باحثاً في عمق الأسباب في منتهى الشفافية وصل بها إلى العظم من المكاشفة، والأهم أن كل من تصدى لهذه الظاهرة وهذا الفكر لم يخشَ ولن يحسب حساب ردة فعل أصحابه التي من الممكن أن تكون عملاً إرهابياً!
وهكذا تأتي «داعش» لتثبت من جديد بعد أن أثبتت الظاهرة الطالبانية أن إمكانية الانتقاد الذاتي بكل أريحية للفكر الديني المتطرف عند السنة بل إعلان الرفض والاستنكار والشجب والتبرؤ منه حتى وإن اعتلى صاحبه منبراً للرسول، حتى وإن لبس العمامة، هي الأكثر وضوحاً وهي التي تحمي هذه الغالبية من بقاء الاعوجاج على حاله، فالنقد الذاتي إن أتيح له أن يعبر عن رأيه بأريحية في أي بينة فكرية أعاد الأمور لنصابها، لكنه يحتاج لجرأة ولشجاعة ولحراك جماعي يدعم صاحب الرأي وصاحب الفكر المعارض.
فلا تعصب يعيق عملية التقويم الذاتية خاصة، والتعصب داء لا يعرف جنسية ولا يعرف ديناً ولا يعرف عرقاً ولا يعرف سناً ولا يعرف هوى، المتطرف هو ذاته، سواء شجع فريقاً رياضياً أم شجع فكراً دينياً، فإنه لا يرى إلا حسناً وجمالاً وكمالاً في ما تعصب له، والحمد لله أن مستنكري الفكر الظلامي والمحرض على الإرهاب هم من داخل ذاته، من داخل بيته وبيئته، فلا مجاملة ولا مداهنة ولا إيمان بمعصومية تحصن زعماء الدواعش حتى وإن لبسوا العمامة السوداء.
لذا فحين تخصص جريدة لجماعة الولي الفقيه مساحة يومية للكتابة عن ظاهرة معوجة عند طائفة أخرى فلن تكون سوى مصدر هامشي من مصادر النقد ومكمل لبنية التقويم والاعتراض الذاتي التي تتحرك تلقائياً دونما حاجة لها، وهذه ليست جرأة، إنما الجرأة هي في قدرتك على تنظيف بيتك والتخلص من شوائبه، والحمد لله أن البحرين دولة وشعباً، مؤسسات وأفراداً، كتاباً محترفين وكتاباً هواة جميعهم يقفون أمام أي ظاهرة متطرفة ولا يبالون بردة فعل التطرف، جميعهم يتصدون بشجاعة وجرأة ولديهم القدرة على منع انتشاره، إنما أين هي شجاعتكم في مواجهة متطرفيكم؟ أين مراجلكم في التصدي لدواعشكم؟ أين باحثوكم في تحليل البنية الفكرية التي أفرزت هذا التطرف؟ أين كتابكم، أين رؤساء تحريركم، أين أكاديميوكم؟ من فكر متطرف انتشر في البحرين يحرض على الفتن ويحرض على القتل والسحق ويحرض على حمل السلاح ويحرض على التعدي على الدولة ورجالها؟ أين مقالاتكم عن عصائب الحق وعن حزب الله وعن ميليشيات أبوالفضل العباس التي ضمت بحرينيين ذهبوا وحاربوا وقتلوا هناك؟ أين صوتكم عن الحرس الثوري الإيراني الذي يحكم العراق وسوريا العربية الآن، بعد أن سلمه حزب الدعوة العراقي العربي الشيعي مفاتيح الأراضي العربية ليحكم الفرس فيها لأول مرة منذ الفتح الإسلامي؟
من تجرأ وانتقد نظام «الولي الفقيه» من الإيرانيين هو الآن إما محبوساً أو تحت الإقامة الجبرية أو طورد أو قتل، إنما على الأقل كانوا أكثر جرأة من كثير من الشيعة العرب الذين كانوا فارسيين أكثر من الفرس وإيرانيين أكثر من الإيرانيين.
الداعش الشيعي هو دولة بجيشها وبحرسها و بزعامتها علقت المشانق في الطرقات العامة على الرافعات وشاركت في إلقاء المواد الكيماوية المحرمة والبراميل المتفجرة على الأطفال والنساء والشيوخ، الداعش الشيعي دولة تسمى إيران.
فإن كانت الطائفة السنية في كل الدول العربية ملكت الجرأة على رفض عمامة البغدادي السوداء علناً وبالاسم ووجهاً لوجه ويومياً ومن على كل منبر حر سواء منبر ديني أو منبر إعلامي أو منبر أكاديمي.. فدعونا نرى مراجلكم!